راجيف أغاروال

الهند وإيران... نحو إعادة ضبط العلاقات

18 حزيران 2022

المصدر: The Diplomat

02 : 05

رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في نيودلهي | الهند، 8 حزيران 2022
قام وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، بزيارة رسمية إلى الهند بين 8 و10 حزيران، حيث عقد محادثات مع نظيره الهندي سوبرامانيام جايشانكار. إنها أول زيارة يقوم بها إلى الهند منذ توليه منصبه في آب 2021، وهي تتزامن مع مرحلة مفصلية من الاضطرابات الجيوسياسية في المنطقة والعالم أجمع. كذلك، زار عبد اللهيان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وهو امتياز لا يحصل عليه جميع وزراء الخارجية. تعليقاً على ذلك اللقاء، شدّد مودي في إحدى تغريداته على المنافع التي يحصدها البلدان من هذه العلاقات الثنائية وتأثيرها على أمن المنطقة وازدهارها. ثم أكّد البيان الرسمي الصادر عن وزارة الخارجية تبادل الآراء حول مسائل مهمة مثل الاتفاق النووي الإيراني، والصراع الأوكراني، والوضع في أفغانستان. كما أشادت الهند بدور إيران في تسهيل وصول المساعدات الطبية الهندية إلى أفغانستان، بما في ذلك حُزَم لقاحات كورونا إلى الأفغان المقيمين في إيران.

تتقاسم الهند وإيران روابط تاريخية وثيقة منذ عصر الإمبراطورية الفارسية والممالك الهندية. تُعتبر إيران دولة مهمة في جوار الهند، وقد تقاسم البلدان حدوداً مشتركة حتى تقسيم الهند واستقلالها في العام 1947. تكمن أهمية إيران أيضاً في استعمالها كطريق بديل من الهند إلى أفغانستان وجمهوريات آسيا الوسطى، طالما تعجز الهند عن استعمال الممر البري عبر باكستان.

لكن شهدت العلاقات بين الهند وإيران تقلبات متواصلة على مر العقود بسبب عوامل تتجاوز المسائل الثنائية، منها وقف استيراد النفط من إيران بعد أيار 2019 نتيجة العقوبات الأميركية التي تلت إلغاء الاتفاق النووي الإيراني، والعلاقات الوثيقة بين الهند وإسرائيل، والروابط القائمة بين إيران والصين، بما في ذلك التوقيع على شراكة استراتيجية مدتها 25 سنة. تبرز مسائل شائكة أخرى، أبرزها دعم إيران للحوثيين في اليمن، أو موقف إيران من قرار حكومة مودي بإلغاء المادة 370 من الدستور الهندي، علماً أنها تمنح مكانة خاصة لإقليم كشمير. في الوقت نفسه، استاءت طهران من رضوخ الهند للضغوط الدولية المرافقة للعقوبات المفروضة على إيران. مع ذلك، حاول البلدان التمسك بالتزاماتهما والحفاظ على علاقات ثنائية ودّية.

لكن يبدو أن تغيّر التوازنات في منطقة غرب آسيا قد يُمهّد لتقوية العلاقات الهندية الإيرانية. لطالما وُضِعت الروابط المتوسّعة بين الهند ودول الخليج، لا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في إطار "لعبة لا غالب ولا مغلوب"، باعتبارها جزءاً من المنافسة مع إيران. لكن تغيرت الظروف الإقليمية سريعاً.

كان تردد الولايات المتحدة في متابعة التزاماتها في الشرق الأوسط كفيلاً بدفع الدول الإقليمية إلى التفكير بخيارات بديلة. وفي خطوة لافتة قد تثبت ابتعاد المنطقة عن الهيمنة الأميركية، رفضت السعودية والإمارات طلب واشنطن زيادة إنتاج النفط بعد بدء الحرب الروسية في أوكرانيا لتخفيض أسعار النفط الخام عالمياً، مع أن هذين البلدين يُعتبران من أهم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

على صعيد آخر، شاركت إيران والسعودية في خامس جولة من المحادثات المشتركة حديثاً ويحمل الطرفان مواقف إيجابية حول عقد المصالحة. لا يزال وقف إطلاق النار الذي بدأ خلال شهر رمضان من هذه السنة مستمراً في اليمن، ويأمل رشاد العليمي، رئيس المجلس الرئاسي اليمني الجديد، في التوصل إلى حل سلمي للحرب والأزمة الإنسانية التي يشهدها البلد منذ سبع سنوات. كذلك، عقدت الإمارات وقطر محادثات إيجابية مع إيران. وسبق وزار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قطر وسلطنة عمان هذه السنة، وبدأت سوريا والعراق تُحسّنان العلاقات القائمة وتطوران مواقف إيجابية من إيران.

في غضون ذلك، جدّدت "اتفاقيات أبراهام" الآمال بتقبّل إسرائيل كشريكة محتملة لدول المنطقة بدل أن تكون عدوّة لها. هذه التطورات كلها تصبّ في مصلحة الهند، إذ تجمعها علاقات وثيقة وحسنة مع دول الخليج وإيران وإسرائيل. تملك الهند إذاً فرصة هائلة لتطوير تعاونها مع إيران، من دون أن تخاف من خسارة أصدقائها الآخرين في المنطقة. حتى أن الهند قد تصبح المحاوِرة المثالية بين الأطراف الإقليمية في مرحلة معينة لأنها تحظى بثقة جميع الأفرقاء.

حين تدرك الأطراف المعنية أن العلاقات الثنائية يجب أن تخدم المصالح الوطنية حصراً، يمكن تحسين فرص الاستفادة من التعاون بين الهند وإيران. ونظراً إلى عدم تجدّد الاتفاق النووي الإيراني في أي وقت قريب، قد تفكر الهند باستئناف استيراد النفط من إيران. قبل أن توقف نيودلهي تلك الواردات بسبب الضغوط الغربية، كانت إيران توفّر حوالى 10% من حاجات الهند إلى النفط. وإذا غيّرت الهند مسارها الآن واستأنفت استيراد النفط الإيراني، قد تُشجّع دولاً أخرى على القيام بالمثل وتوصل كميات إضافية من النفط إلى السوق، ما يؤدي إلى تخفيض سعر النفط الخام في نهاية المطاف.

يهدف "ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب"، وهو مشروع طموح انطلق في بداية هذا القرن، إلى الربط بين الهند، وإيران، وأفغانستان، وروسيا، وآسيا الوسطى، وأوروبا، عبر خط نقل متعدد الوسائط، ما يسمح بتقليص مدة عبور السلع بدرجة كبيرة. رغم تشغيل جزءٍ منه مجدداً بسبب العقوبات المفروضة على إيران، لم تُستعمل كامل قدراته حتى الآن. لكن قد تلعب الهند وإيران دوراً كبيراً لدعم "ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب" وحصد منافع العمليات التجارية اللاحقة.




الرئيس الإيراني حسن روحاني مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي | شباط 2018




يُعتبر خط أنابيب الغاز بين إيران وسلطنة عمان والهند مشروعاً طموحاً أيضاً، لكن بقي العمل به مُعلّقاً لوقتٍ طويل. لحسن الحظ، وقّعت إيران وسلطنة عمان على اتفاق خلال زيارة رئيسي الأخيرة، في 23 أيار، لتطوير خطَّي أنابيب للغاز وحقل نفط على طول حدودهما البحرية. إذا تحقق هذا المشروع، قد يمتد خط الأنابيب إلى الهند، ما يعني التعويض عن خسارة خط الأنابيب الفاشل بين إيران وباكستان والهند وتسهيل تزويد الهند بالغاز الطبيعي.

تستفيد إيران من علاقات ممتازة مع الصين وروسيا، وقد بدأت تنفتح على دول خليجية أخرى. إذا انضمت الهند إلى إيران، قد تنشأ كتلة ضخمة من الدول والأموال والشعوب والنفوذ، ما يُصعّب الحفاظ على عزلة إيران ومتابعة فرض العقوبات الغربية عليها. تجيد الهند الصمود رغم العقوبات، فقد واجهت بدورها عقوبات غربية بعد اختباراتها النووية في العام 1998.

حتى الآن، لم تَثْبُت فعالية النظرية التي تدعو إلى إبقاء إيران تحت ثقل العقوبات نظراً إلى تهديدات برنامجها النووي. التزمت إيران بجميع بروتوكولات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حتى أنها عرضت بروتوكولات إضافية ولم يتّضح يوماً أنها تنتهك تلك البنود، لكن تخلّت عنها طهران طوعاً بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، في أيار 2018. كذلك، تبيّن أن المنطق القائل إن العقوبات الاقتصادية قد تمنع إيران من إضفاء طابع مسلّح على برنامجها النووي خاطئ، فقد خزّنت إيران رغم العقوبات كمية كافية من اليورانيوم عالي التخصيب لتجاوز العتبة المسموح بها وتطوير أسلحة نووية حين ترغب في ذلك.

لهذه الأسباب كلها، تستطيع الهند وإيران تحقيق إنجازات كثيرة معاً. ستكون الدبلوماسية الحازمة التي تطبّقها الهند تغييراً مُرحّباً به، فهي تُشدد على أهمية دعم الدول المجاورة والأصدقاء والتركيز على تحقيق المصالح الوطنية حصراً. إذا نجحت الهند في نقل الرؤية نفسها إلى التزاماتها مع إيران، قد تزيد فرص التعاون بين هاتين الدولتَين والحضارتَين العظيمتَين. باختصار، أصبح الوقت مناسباً لإعادة ضبط العلاقات الثنائية.


MISS 3