جاد حداد

خلايا سرطان الثدي تستيقظ أثناء النوم

29 حزيران 2022

02 : 05

يصبح السرطان الأكثر خطورة حين تشق خلايا الورم طريقها نحو مجرى الدم وتصل إلى موقع جديد في الجسم للاستقرار فيه: هذا هو السرطان النقيلي. لكن تكشف دراسة جديدة أن هذه الخلايا الورمية المتنقلة تتوجّه إلى الدم خلال الليل أكثر من النهار.

برأي كينغ جون مانغ المتخصص بعلم الأحياء الزمني في جامعة "مانشستر"، بريطانيا، يسلّط هذا الاكتشاف الضوء على خصائص فيزيولوجية بشرية لم يلاحظها الكثيرون بعد وقد تُمهّد لتحسين طريقة تعقب مسار السرطان.

من المعروف أن الساعة البيولوجية، التي تتحكم بها جينات متنوعة تُعبّر عن جزيئات محددة على مدار الساعة، تؤثر على عمليات عدة داخل الجسم، بما في ذلك الأيض والنوم. لكن ظن معظم الباحثين في البداية أن الخلايا السرطانية تكون "متضررة ومتحوّلة" لدرجة أن تعجز عن مواكبة هذا الجدول الزمني.

في ما يخص السرطان النقيلي، لاحظ المشرف الرئيسي على الدراسة الجديدة، نيكولا أسيتو، عالِم في بيولوجيا السرطان في المعهد السويسري الفدرالي للتكنولوجيا في زيورخ، أن مستويات الخلايا الورمية المتنقلة لدى الفئران المصابة بأورام تختلف بحسب توقيت سحب عينات الدم. هذه الملاحظة دفعت أسيتو إلى جمع الدم من 30 امرأة مصابة بسرطان الثدي في المستشفى، في الساعة الرابعة فجراً ثم في العاشرة صباحاً.

لاحظ الباحثون أن أكبر كمية من الخلايا الورمية المتنقلة التي رصدوها في الدم (تصل نسبتها إلى 80% تقريباً) ظهرت في العينات التي جمعوها في الساعة الرابعة فجراً، أي في أوقات الراحة. يوضح أسيتو: "في البداية، تفاجأتُ بهذه النتيجة لأننا كنا نظن أن الأورام تطلق الخلايا المتنقلة طوال الوقت. لكن كانت البيانات واضحة جداً. سرعان ما تلاشت دهشتنا وشعرنا بحماسة شديدة".

في المرحلة اللاحقة، أراد الباحثون أن يتأكدوا من ظهور هذه النتيجة لدى مجموعات أخرى. لتحقيق هذه الغاية، زرع العلماء أورام سرطان الثدي في نماذج من الفئران وقاسوا مستويات الخلايا الورمية المتنقلة لديها على مر اليوم. مقارنةً بالبشر، تحمل الفئران إيقاعاً معكوساً للساعة البيولوجية، ما يعني أنها أكثر نشاطاً خلال الليل وتميل إلى الاسترخاء في النهار. لاحظ الباحثون أن مستويات الخلايا الورمية المتنقلة لدى القوارض بلغت ذروتها نهاراً، حتى أن نسبتها كانت أعلى من المعدل الطبيعي بـ88 مرة أحياناً، عندما كانت الفئران في أوقات الراحة.

جمع الباحثون أيضاً خلايا ورمية متنقلة من الفئران حين كانت مرتاحة وناشطة. ثم أضافوا علامات الفلورسنت إلى مجموعتَي الخلايا وحقنوها مجدداً في أجسام القوارض. كانت معظم الخلايا التي تحوّلت إلى أورام جديدة قد جُمِعت في أوقات الراحة، ما يعني أن تلك الخلايا الورمية المتنقلة تبدو أكثر قدرة على الانتشار في مواقع أخرى.

يقول تشي فان دانغ، خبير في بيولوجيا السرطان في "معهد لودفيج لأبحاث السرطان" في نيويورك: "هذا الاكتشاف مدهش بمعنى الكلمة. يقيس الأطباء مستويات الخلايا الورمية المتنقلة لمعرفة مسار المصابين بالسرطان. لكن يكشف البحث الجديد أن توقيت أخذ عيّنة الدم قد يعطي معلومات مُضلّلة. يُفترض أن يعيد الطبيب النظر في توقيت تعقب السرطان إذاً".

النوم ليس عدوك

تتعدد العوامل التي تفسّر نشاط خلايا سرطان الثدي خلال الليل تحديداً، لكنها تحتاج إلى أبحاث إضافية. قد تلعب الهرمونات دوراً مؤثراً في هذا المجال، فهي الأداة التي يستعملها الجسم لتحديد وقت النهوض أو الإيواء إلى الفراش. لاحظ الباحثون مثلاً أن معالجة الفئران بهرمونات مثل التستوستيرون أو الأنسولين أثّرت على مستويات الخلايا الورمية المتنقلة، فزادت كميتها أو خفّضتها، بحسب توقيت إعطاء الهرمونات.

من خلال فهم مسار هذه العملية، قد تتحسن علاجات السرطان يوماً، لكن لا يزال الطريق طويلاً قبل بلوغ تلك المرحلة. لا بد من إجراء دراسات إضافية حول هذا الموضوع لفك الشبكة المعقدة التي تربط بين إيقاع الساعة البيولوجية وحالات السرطان. لكن يحذر مانغ في الوقت نفسه من اعتبار النوم عدواً للمصابات بسرطان الثدي. تذكر الدراسات أن مرضى السرطان يصبحون أكثر عرضة للوفاة إذا كانوا ينامون لأقل من سبع ساعات في الليلة، كما أن تخريب إيقاع الساعة البيولوجية لدى الفئران قد يسرّع مسار السرطان. يختم مانغ قائلاً: "لا تثبت النتائج الجديدة إذاً أن المريض لا يحتاج إلى النوم أو يُفترض أن يقصّر مدة نومه، بل تعني بكل بساطة أن هذه الخلايا السرطانية تفضّل مرحلة معيّنة من الدورة الممتدة على 24 ساعة للانتقال إلى مجرى الدم".


MISS 3