طوني فرنسيس

نفق الناقورة وهنود حيفا

21 تموز 2022

02 : 00

يستفيقون في المواسم، وعندما يفعلونها عليك أن تفتش وراء التصريحات وأبعد من الوجوه وأحياناً كثيرة لدى غير اللاهجين المتكلمين المصرّحين.

مؤخراً استفاق وزير في الحكومة المصروفة على ضرورة استعادة نفق الناقورة. فزاره جالباً معه نخبة من ناقلي الأخبار، وصرّح معتبراً النفق المسدود على طريقة الوضع اللبناني، جزءاً لا يتجزأ من السيادة التي تراق في سبيلها الدماء والخطابات.

لم يكن الوزير، المحسوب على محور التحرير، أوّل وزير يزور الناقورة ويعلن حديثاً مماثلاً. قبله زار وزير حليف لمحور التحرير المكان عينه وقال الكلام إيّاه. مرّ عامان على تهيّؤات الوزير الأول وربما يمرّ مثلهما على طموحات الثاني من دون أن نفهم لماذا هذا الإهتمام المفاجئ ثم يغيب، ولماذا قال الوزيران المعتمدان من الجهة إيّاها ما قالاه عن النفق وفي هذه اللحظة بالذات؟

المعروف أن هذه النقطة بقيت سالكة للمراقبين الدوليين منذ الهدنة بين لبنان وإسرائيل ثم بعدها إثر غزو 1978 واجتياح 1982، وتوقفت حركة القطارات على طول الساحل منذ احتلال فلسطين، ومثلها حركة السيارات، وخلال الاحتلال الإسرائيلي صار موقع الناقورة الحدودي معبراً للقوات الإسرائيلية وأعوانها.

في العام 2000 وبعد انسحابها من الجنوب سدّت إسرائيل النفق بحجارة الباطون، وصارت المحلة جزءاً من الخط الأزرق الحدودي تسري عليه مقاييس التعامل مع هذا الخط، والحل النهائي ينتظر تسوية لا يبدو أن النفق يساعد فيها أو ينتظرها سريعاً.

كان الإنكليز من جنود جلالة الملك هم من حفروا ذلك النفق كما حفروا أنفاقاً أخرى على طول الخط الساحلي، مثل نفق حامات تحت رأس الشقعة…

وأسهمت كتيبة الخيالة الهندية المنضوية في جيش صاحب الجلالة بتلك الأعمال، ومعها اشتغل لبنانيون فأسهموا في جعل لبنان بلداً مساوياً للآخرين في العصرنة والقطارات، الى أن جاء اليوم الذي باع فيه تحالف ميليشيا السلاح والفساد الأملاك البحرية وأرض سكة الحديد والحديد نفسه وبقايا أخشابه المجلوبة من لزاب عكار وغابات جبل لبنان.

كان الأجدى بوزراء النفق أن يعرضوا بعض الاهتمام بالأنفاق العاملة وطرقاتها وسكة الحديد وأملاكها، والقطار وإعادته الى السكة، والنقل العام الموعود بباصاته ومؤللاته. فالوقوف على الباب المسدود في الناقورة واجب لكنه لا يقدم ولا يؤخر في إضاءة نفق لبنان المسدود، فليبق مسدوداً هناك، فهذا واجب حتى إشعار آخر.

الأجدى التمثل بالملياردير الهندي الذي اشترى ميناء حيفا متذكراً أجداده خيالة الهند الذين طردوا العثمانيين منه في 1918، وجاء ليستثمر مرفأها الى جانب نظيره الصيني في الخليج اياه. ولا يستوجب الأمر أكثر من خطوة على طريق إقناع اللبنانيين بأن حقوقهم في أملاكهم البحرية وسكة حديدهم ونقلهم العام محفوظة، وأن مرفأهم الذي جرى تدميره سيعود الى الحياة وسيتم إخماد حريق الأسبوعين المستمر… وبعدها فليكن نفق الناقورة شاهداً على إنجازي التصدي والبناء، وكذلك مراقبة حركة المطارنة في رواحهم ومجيئهم من الأرض المقدسة.