شربل داغر

الفيس أو السوق المتوسعة

25 تموز 2022

02 : 01

لعلكَ انتبهتَ، مثلي، إلى أن الفيس بوك لا يتوانى عن إجراء تبديلات، أو تحسينات، في شبكته، في عروضه واقعاً.

لا أريد الخوض في هذه التبديلات، ولا في مغازيها.

الا ان ما استوقفني، هو انه يقترح علي اسماءَ من تعرفتُ إليهم قبل اسبوعين أو ثلاثة، عبر الواتس اب تحديداً.

هذا يعني أن اذنه تتنصت بما فيه الكفاية، وتشبك المعلومات بعضها ببعض، بيدٍ سحرية تكاد ان تتابعني (وغيري بالطبع) دقيقة تلو دقيقة.

هذا ما تنبهتُ إليه، لكنني تساءلتُ : لماذا هذا التسارع إلى خدمتي؟

ألا يكون الفيس بوك جمعية لتنمية التواصل والصداقة من دون عِلمي؟

لماذا هذا الجمع المتنامي، المتعاظم، للمعلومات الشخصية، لي ولهذا وذاك؟

لعلها ذات قيمة، بما يوفر توسعةَ السوق من دون شك: السوق المترامية، الواحدة، التي تحتاج إلى زبائن جدد، بل أن تجعلهم زبائن لما لا يحتاجون إليه بالضرورة.

هذا ما علمني إياه كارل ماركس في دروسه المنيرة، حول إنتاج السلعة، وإعداد الزبون، وتوسعة السوق... هذا ما وجدَه الرفيق ماركس لازماً عشية التوثب في اللحظة الاستعمارية في القرن التاسع عشر.

قد ينحو البعض إلى التفسير - وهم محقون - بأن ما يُحرّك هذا كله، امس واليوم، هو سعي الرأسمال العالمي إلى التحكم والسيطرة، مباشرة وعن بعد.

إلا أن ما تفعله وسائل التواصل الاجتماعي (وهي شركات معدودة باتت أقوى من كبريات الرأسمال الصناعي في العالم) أشد تمكناً من مقدرات الإنسان والتحكم به من ذي قبل.

فالثورة الرقمية، بمنتجاتها وتجلياتها المختلفة، باتت أشد وصولاً، وتأثيراً، من جحافل الجيوش والدعايات وبرامج التوجيه.

إذ ما بات يُحرّكها لمليارات البشر، لا يقوم على الإقناع، بل على إظهار الذات، وعلى إعلائها، بالصورة واللفتة واللقطة والفيديو وغيرها.

هذه التنمية ليست قبيحة في مجتمعات تقليدية مثل مجتمعاتنا المبنية على الطاعة، والتشدد في رسم سلوكات الفرد (لا سيما المرأة) في ما لها ان تَظهر فيه : فوق الركبة ام تحتها... بل حتى في الفراش!

هذا يعني ان هذه الوسائل "تصيدت" بنجاح الجميع، والخصوم والاعداء معاً، ما دامت تجعل من كل واحد منهم "عبقرياً"، وله ما يقوله في شؤون الدنيا والعباد.

هذه الثقافة المتمحورة حول "تأليه" الذات باتت الدعاية اللازمة لتوسعة السوق، ولضمان رواجه.

كيف لا، وهي تعول على عالم المشاعر في رغباته المعلنة او الدفينة: هي تكون في ذلك فعالة وأكثر قوة وتحكماً.

اما من يبحثون عن خلفيات السياسة في هذا - وانا لا أُنكرها - فأنصحهم بالتنبه إلى عدم وجود وزارة ثقافة أو إعلام في الولايات المتحدة الأميركية. وما يتصدر أفلامها وغيرها هو اللفظ الذي لا ينتبه إليه كثيرون (entertainement)، اي: الترفيه، المربِح طبعاً.

سؤال اخير : هل في الإمكان سماعُ قصيدةٍ في سوق الباعة؟


MISS 3