بسام سامي ضو

مساحة حرة

قمر الرئيس وشموس اللبنانيين

26 تشرين الثاني 2019

02 : 00

"من بين المواقف الكثيرة التي أعرب عنها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الفترة الأخيرة العصيبة، والتي تؤشر إلى هوّةٍ عميقة متواصلة بين ما يصدر عنه أو يُشار عليه به، وبين الواقع المستجدّ الذي يفرضه اللبنانيون، والشباب منهم تحديداً، أتوقف عند استغرابه بل استهجانه فكرة تأليف حكومةٍ من اختصاصيين، سائلاً بدهشة: "من أين آتي بهم؟ من القمر"؟!!

ألا ترى في هذا يا فخامة الرئيس إهانةً "للشعب اللبناني العظيم" كله يعني كله، وليس فقط أولئك "المشاغبين المزعجين العنيدين" الذين تجدّد دعوتك لهم لتشكيل وفدٍ يُطلعك على مطالبهم التي بات القاصي والداني، وحتى أصحابك سكان القمر على معرفةٍ بها، ولتعرض عليهم متى تنازلوا وزاروك "خطتك السحرية" التي ستنقذ البلاد والعباد، والتي لن تنشرها قبل أن نغرق في المزيد من الانهيار، مع إصرارك على عدم الاستجابة حتى لأبسط مطالبهم التي ينص عليها دستورٌ أقسمت على صونه، أي الدعوة إلى استشاراتٍ ملزمة لتكليف رئيسٍ للحكومة يباشر عملية التأليف تمهيداً لمرحلةٍ إنقاذية صعبة لا بأس من أن يشارك أهل القمر فيها!

أستغرب يا فخامة الرئيس كيف تذهب إلى القمر، ولا ترى كل هذه الشموس التي تملأ ساحاتنا حيويةً وتعيد لنفوسنا المحبطة بصيص أمل.

ألا يريك مستشاروك المقرّبون منك، البعيدون عن الناس والمبعدونك عنهم، بعضاً من صورٍ مشرّفة جعلتنا نفاخر مجدداً بانتمائنا إلى وطنٍ هؤلاء أبناؤه؟

ألا يستعرضون لك رقيّ الأفكار التي يطرحها اللبنانيون، صغيرهم وكبيرهم، رجالهم ونساؤهم، تلامذة المدارس والطلبة الجامعيون، المهندسون والأطباء والفقراء والفنانون والمعلّمون والنقابيّون، بكل تلك الطاقة التوّاقة إلى الفرح والأمل والتحرّر؟ ألا يدعونك تسمع عمق ما يقولونه بكل ما في بساطتهم من صدقٍ وألم؟

ألم تلفتك شمس لبنانيين تركوا "نعيم الغربة" ليعودوا ويعيشوا جحيماً أوصلتنا إليه طبقتكم الحاكمة؟ عادوا ليكون كلٌّ منهم شاهداً- ولا يخشى أن يكون شهيداً- على ولادة لبنان الجديد بشعبه العظيم، ومنهم تلك العائلة الرائعة من المحامين، أي سليم المعوشي وزوجته نوال وأولاده بدري وميشال وسامية الذين وضعوا أنفسهم وخبراتهم في خدمة "الثورة".

ألم يخبروك عن شموس الحرية والحضارة التي عادت فأشرقت في طرابلس التي كدنا نعتبرها "قندهار لبنان"، وفي الجنوب حيث تاريخ البطولات بدأ قبل التقويم المقاوم الداعم لعهدكم، وفي بيروت الأبية العصية وفي كل مكانٍ غيّبت الدولة حضورها عنه؟

ألم يروُوا لك كيف أشرقت شمس الحياة في عيون زوجة الشهيد علاء بو فخر وابنه الذي تعمّد إيمانه بحقّه بالمواطنة والكرامة بدم أبيه الذي سقط أمامه برصاصةٍ رسمية- ميليشيوية؟

ألم يُروك كيف تحوّلت الطناجر إلى أقراص شمسٍ، تضع فيها الأمهات مكوّنات الجوع والقلق على المستقبل والخوف من ضياع، لصنع أطباق الصمود والاصرار التي يتغذّى بها عشّاق الحرية؟

ألا تجد في كلّ هؤلاء وغيرهم مئات الآلاف من اللبنانيين "غير الثائرين"، عشرين شخصاً يملكون بالفعل مقوّمات أن يتحمّلوا مسؤوليةً وطنية فشلتم "كلكن" في تحمّلها؟

فخامة الرئيس، دع القمر لروّاد الفضاء وعشاق الرومنسية في الليالي الحالمة، وحدّق بجرأةٍ وواقعية ومسؤولية في عيون اللبنانيين التي تحوّلت شموساً ستنير دروب المستقبل وتحقّقه، ولن تبخل ببعض وهجها على قمرك.


MISS 3