رقاقة عملاقة وفائقة السرعة لتحسين أدوية السرطان

11 : 20

يبدو أن الجيل الجديد من المعدات المتخصصة قد يُسرّع مسار تطوير الأدوية واكتشاف المواد!

في مختبر "أرغون" الوطني، على بُعد 30 ميلاً من وسط شيكاغو، يحاول العلماء أن يفهموا أصل الكون ومسار تطوره وأن يبتكروا بطاريات طويلة المفعول ويطوروا أدوية سرطان عالية الدقة.

ثمة قاسم مشترك بين هذه المشاكل المختلفة: إنها معضلة صعبة نظراً إلى انتشارها على نطاق واسع. في مجال اكتشاف الأدوية، تشير التقديرات إلى احتمال وجود جزيئات شبيهة بالأدوية أكثر من الذرات في النظام الشمسي. يتطلب استشكاف هذه المساحة الشاسعة من الاحتمالات، وفق الجداول الزمنية البشرية، حوسبة فاعلة وسريعة. حتى الفترة الأخيرة كانت هذه العملية غير ممكنة، لذا بقيت مبهمة جداً لوقتٍ طويل.

لكن في السنوات القليلة الماضية، غيّر الذكاء الاصطناعي قواعد اللعبة. تبرع أنظمة الحلول الحسابية المبنية على مفهوم التعلم العميق في رصد الأنماط سريعاً في البيانات الهائلة، وهذا ما سمح بتسريع العمليات الأساسية في قطاع الاكتشافات العلمية. إلى جانب التقدم الحاصل في البرمجيات اليوم، تلوح في الأفق ثورة أخرى في مجال المعدات.

أعلن مختبر "أرغون" للتو عن البدء باختيار كمبيوتر جديد من تصميم الشركة المبتدئة "سيريبراس" التي تَعِد بتسريع تدريب أنظمة الحلول الحسابية المبنية على التعلم العميق عن طريق نظام "رتبة المقدار". يشمل الكمبيوتر أكبر رقاقة في العالم، وهو جزء من جيل جديد من ذكاء اصطناعي متخصص بدأ استعماله للتو.




يقول ريك ستيفنز، مدير قسم الحوسبة والبيئة وعلوم الحياة في مختبر "أرغون": "نريد تسريع تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي نملكها لحل المشاكل العلمية. لدينا كميات هائلة من البيانات والنماذج الكبرى ونسعى إلى تحسين أدائها".

في الوقت الراهن، تُعرَف أبرز الرقائق المستعملة في التعلم العميق بوحدات المعالجة البيانية. تكون هذه الوحدات عبارة عن أجهزة موازية كبرى لمعالجة البيانات. كانت تُستعمَل على نطاق واسع في الألعاب والإنتاج البياني قبل أن يتبناها قطاع الذكاء الاصطناعي. من باب الصدفة، تبيّن أن الخصائص التي تسمح لها بتوفير وحدات البيكسل سريعاً هي التي تجعلها الخيار المفضّل للتعلم العميق.لكن تبقى وحدات المعالجة البيانية في جوهرها ذات أغراض عامة: صحيح أنها نجحت في إطلاق ثورة الذكاء الاصطناعي خلال هذا العقد، لكنّ تصاميمها ليست مثالية لأداء هذه المهمة. يكبح هذا الخلل سرعة الرقائق في تشغيل أنظمة التعلم العميق ويجعلها تصرف نسبة هائلة من الطاقة في خضم هذه العملية.

أمام هذا الوضع، سارعت الشركات إلى تصميم هياكل جديدة للرقائق وجعلتها مناسبة للذكاء الاصطناعي تحديداً. تستطيع هذه الرقائق، عند ابتكارها بالشكل المطلوب، أن تُدرّب نماذج التعلم العميق بوتيرة أسرع من وحدات المعالجة البيانية بألف مرة، تزامناً مع استعمال كمية أقل بكثير من الطاقة. شركة "سيريبراس" هي واحدة من شركات كثيرة تسعى إلى اقتناص الفرصة. تبرز أيضاً شركات مبتدئة أخرى مثل "غرافكور" و"سامبا نوفا" و"غروك"، فضلاً عن حاضنات أعمال مثل "إنتل" و"نفيديا".

يجب أن تلتزم أي رقاقة ناجحة وجديدة بمعايير متعددة. في الحد الأدنى، يجب أن تكون أسرع من معالِجات الأغراض العامة بعشر أو مئة مرة عند تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي في المختبر. يستهدف عدد كبير من الرقائق المتخصصة التطبيقات التجارية للتعلم العميق، على غرار رؤية الكمبيوتر واللغة، لكن قد يتراجع الأداء عند التعامل مع أنواع البيانات الشائعة في الأبحاث العلمية. يوضح ستيفنز: "لدينا مجموعات ضخمة من البيانات عالية الأبعاد". تخلط هذه المجموعات مصادر هائلة من البيانات المتفاوتة وتكون معالجتها أكثر تعقيداً بكثير من الصور ثنائية الأبعاد.

على صعيد آخر، يجب أن تكون الرقاقة جديرة بالثقة وسهلة الاستعمال. يقول ستيفنز: "يستعمل آلاف الأشخاص التعلم العميق في المختبر، وليسوا جميعاً مبرمِجين متخصصين. هل يستطيع الناس استعمال الرقاقة من دون أن يضطروا لتخصيص وقت طويل لتعلم مفهوم جديد عن مجال التشفير"؟

حتى الآن، يلتزم الكمبيوتر الذي ابتكرته شركة "سيريبرا" بهذه المعايير كلها. نظراً إلى حجم رقاقتها (أكبر من جهاز "آي باد" وفيها 1.2 تريليون ترانزستور للقيام بالعمليات الحسابية)، لا داعي لِوَصْل معالِجات متعددة وأصغر حجماً ببعضها لأن هذه الخطوة قد تبطئ تدريب النموذج. خلال الاختبارات، سبق ونجحت الرقاقة في تقليص مدة تدريب النماذج من أسابيع إلى ساعات. يضيف ستيفنز: "نريد أن ندرّب تلك النماذج بسرعة كافية، كي يتمكن العالِم الذي يتولى التدريب من تذكّر السؤال المطروح في بداية التجربة".

في المرحلة الأولى، اختبر "أرغون" أجهزة الكمبيوتر في مجال أبحاث أدوية السرطان. كان الاختبار يهدف إلى تطوير نموذج من التعلم العميق لتوقع طريقة تجاوب الورم مع دواء معين أو خليط من الأدوية. ثم يمكن استعمال ذلك النموذج بواحدة من طريقتَين: تطوير أدوية محتملة جديدة قد تعطي الأثر المنشود ضد ورم محدد، أو توقع آثار دواء محتمل على أنواع مختلفة من الأورام.يتوقع ستيفنز أن يسمح نظام "سيريبرا" بتسريع تطوير نماذج أدوية السرطان واستعمالها، وتتطلب هذه العملية تدريب النموذج مئات آلاف المرات ثم تشغيله مليارات المرات لإطلاق التوقعات حول كل دواء محتمل. كذلك، يتمنى ستيفنز أن يُحسّن هذا الابتكار الأبحاث المخبرية في مجالات أخرى، على غرار مواد البطاريات والإصابات الدماغية الصادمة. تتطلب مواد البطاريات تطوير نموذج من الذكاء الاصطناعي لتوقع خصائص ملايين التركيبات الجزيئية وإيجاد بدائل عن المعطيات الكيماوية في بطاريات أيون الليثيوم. أما الإصابات الدماغية، فتستلزم تطوير نموذج لتوقع أفضل الخيارات العلاجية. إنها مهمة صعبة على نحو مفاجئ لأنها تتطلب معالجة أنواع كثيرة من البيانات (صور الدماغ، مؤشرات حيوية، نصوص) بسرعة فائقة.في النهاية، يعبّر ستيفنز عن حماسته نظراً إلى الفرص التي سيحصل عليها قطاع الاستكشاف العلمي بفضل خليط البرمجيات المبنية على الذكاء الاصطناعي والتقدم الحاصل في مختلف المعدات. باختصار، سيتغير مسار المحاكاة العلمية بطريقة جذرية!


MISS 3