شربل داغر

إنتشار الفن على الرغم منّا

8 آب 2022

02 : 01

يتبدل عالم الفن، وثقافة الصورة، بشكل متسارع، متدافع، في العقود الأخيرة، بل قبل الحرب العالمية الثانية. ومن هذه التبدلات القوية، ما يمكن تسميته بالخروج على اللوحة، التي بقيتْ، لأزيد من أربعة قرون، علامة الفن وأفقَه في الوقت عينه: كانت التغيرات تتعين في اللوحة، في بنائها، وموضوعاتها، وأساليبها، طلباً لعرضها على عين الناظر. في هذا، كان الرسمُ أساسَ التصوير واللوحة. وهو درسُ التشكيل الأول الذي تعلّمه رواد التصوير العرب في المحترفات والمعاهد الأوروبية، مع: داود القرم، جبران خليل جبران، جواد سليم، صليبا الدويهي، فائق حسن ومحمد المليحي وغيرهم. ولهذا كانت دروس وتمارين التشكيل تتعين في: تشريح الجسم، وتصوير ("الموديل") العاري... تأسيساً وبناء للوحة.

جبران ذهب إلى باريس ليتعلم هذا. وهو ما تعلمَه فائق حسن مع الدويهي في باريس أيضا... وهذا ما قامت عليه الدروس في معاهد الفنون العربية الناشئة بين بيروت والقاهرة وبغداد وغيرها.

هذا ما تَعود إليه روايتي الجديدة ("اللوحة المحجوبة")، خلف خطى الفنان قيصر الجميل، الذي يعتبر أستاذ التصوير العاري في لبنان، مع محمود سعيد في القاهرة...

هذه البدايات الدراسية اللازمة في الفن سقطتْ في المجتمعات العربية قبل التغيرات الجذرية في الفن الأوروبي... سقطتْ في الفيلم والمسلسل التلفزيوني العربيين قبل الرسم واللوحة، إذ بات إخفاء الجسد مطلوباً... بل قام البعض بحذف صور القبلات في أفلام ومسلسلات، من دون أن يستطيعوا إخفاء التنانير العالية والسواعد والوجوه المكشوفة.

وما رافقَ هذا الإخفاء، بل الحجب، هو تنامي الأسلوب التجريدي والحروفي بمتفرعاتهما المختلفة، الذي ألغى الدروس القديمة في إعداد الفنانين، والتي لم تعد لازمة بالتالي.

ما يجري في الدرس، في الإعداد، ويصيب اللوحة والفن عموماً، يتأتى من السياسات في هذه البلاد، ومن مساعي الغلبة على الجمهور، ومن ضعف الشرعية خصوصاً.

غير أن ما يسم هذه الأحوال العربية هو تباينها مع ما يتوجه إليه حَراك الصورة الفظيع، أينما كان في العالم.

كما لو أن مساعي البعض تتجه إلى تسييجنا في نطاقٍ خارج العالم، فيما الرغبة في الصورة تتعاظم حتى عند دعاة التطرف (مثل أفلام الانتحاريين وغيرهم). ويزيد من التباين كون بعض الرأسمال العربي بات يجد منفعة في عرض الفن، واقتنائه، وحفظه في متاحف وقصور، وفي التسابق على الندرة فيه.

هكذا تتهاوى التفاسير والمواقف القديمة، ولكن من دون أن تحظى ثقافة الصورة بعدُ بما يُدرجها في التربية، والبيت، والقيمة.

هكذا نكون مدفوعين إلى التغير من دون دوافع أو منشطات داخلية بالضرورة، عدا أننا لا نحسن بالضرورة بناء خطاب مناسب لها.


MISS 3