منير يونس

عبيد: ترقبوا تنازلات جديدة لترسيم الحدود البحرية!

8 آب 2022

02 : 00

محمد عبيد

* التفاوض انطلاقاً من الخط 23 يعني الإذعان سلفاً للمطلب الإسرائيلي - الأميركي المعروف

* نبيه بري ينطلق من اعتبار أن التفاوض حول خط هوف هو التسوية المعقولة والممكنة

* الموقف الصادم بالنسبة لكثيرين هو تراجع الرئيس عون المريب عن المطالبة بالخط 29

* ميقاتي وفريقه من المستشارين أسّسوا لتنازلات أفضت الى اعتماد الخط 23 كخط تفاوضي


السياسي والإعلامي المخضرم محمد عبيد، خبير أيضاً في قضية ترسيم الحدود البحرية، إذ عمل تاريخياً ضمن فريق رسمي (أو شبه رسمي) على هذا الملف الاستراتيجي. ويقول في حوار مع «نداء الوطن» إن الوسيط الأميركي لم يأت بجديد في زيارته الأخيرة للبنان. ويؤكد أن كل التسريبات التفاؤلية هي محاولات إيهام من مطلقيها، مشيراً إلى متطفلين يلعبون أدواراً مشبوهة. ولا يستبعد وجود احتمال قوي وجدي في الذهاب الى مواجهة عسكرية، في حال لم يتم إيجاد مخارج تحفظ حق لبنان بالاستفادة من ثرواته وفق تصور الدولة غير العملي ولا القانوني ولا حتى السيادي. وفي ما يلي نص الحوار:

ماذا رشح من نتائج زيارة هوكشتين الأخيرة الى لبنان؟

الواقع أن زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتين لم تأتِ بجديد يمكن أن يؤدي الى الوصول الى تسوية منصفة بالنسبة للبنان. وكل التسريبات «التفاؤلية» التي قام أهل السلطة السياسية ببثها عبر وسائل الإعلام والصحافة، لم تكن سوى محاولات لإيهام الرأي العام اللبناني بأن السلطة تمكنت من إنتزاع الجزء الجنوبي الواقع خارج الخط 23 وفق معادلة حقل قانا مقابل حقل كاريش!

لكن هذه السلطة تقصدت ألا تُخبِر الرأي العام أن هوكشتين أعاد التشديد على المطلب الإسرائيلي بالاستحصال على حوالى 300 كلم² من مساحة البلوك اللبناني رقم 8!

الأخطر أن بعض المتطفلين على هذا الملف الذين يلعبون أدواراً مشبوهة لصالح الجانب الأميركي، أكد خلال إحدى المقابلات التلفزيونية أنه «من المفترض أن يضع الوسيط الأميركي حلاً وسطاً يرضي الطرفين». وفي ذلك إشارة الى أن التسريبات كافة كانت لتهيئة الأجواء الداخلية اللبنانية للقبول بتنازلات جديدة لصالح العدو.

وأخيراً، تفيد المعطيات الدقيقة أن هوكشتين لم يقدم أية وعود إنما كانت مقارباته تتمحور حول كيفية إيجاد حلول في محيط الخط 23، دون الالتزام بأية نقاط أو ترسيمات محددة.



خارطة الطرح الإسرائيلي


ماذا يعني عملياً مطالبة لبنان بحقل قانا والبلوك رقم 8؟ هل هذه حقوق لبنان في مياهه فقط؟

أية مطالبة لبنانية بما هو دون الخط 29 يعني عملياً أن السلطة السياسية لا تفقه معنى وآليات التفاوض التي يمكن أن تشكل عناصر قوة الموقف اللبناني. ذلك أن التفاوض انطلاقاً من الخط 23 يعني الإذعان سلفاً للمطلب الإسرائيلي-الأميركي المعروف منذ سنوات طويلة المتمثل بالتفاوض حول خط هوف. مما يعني أن لبنان سيكون ملزماً بالتنازل في مكان ما، مقابل الحصول على حقوقه في مكان آخر. مع الإشارة الى أن المساحة ما بين الخطين 23 و 29 والبالغة 1430 كلم² هي بأكملها حقوق لبنانية مثبتة قانونياً وتقنياً.

كيف تقرأ مواقف الأطراف اللبنانية المختلفة: عون وبري وميقاتي وحزب الله؟

بصراحة مطلقة، إن الموقف الصادم بالنسبة لي ولكثيرين ممن عملوا في هذا الملف مع الرئيس ميشال عون، هو تراجعه المريب عن المطالبة بالخط 29. لأن عون كان يردد دائماً خلال اجتماعاتنا معه أنه متمسك بتحصيل حقوق لبنان كاملة وفق الدراسة التي كان يتغنى بأهميتها ومصداقيتها القانونية والتقنية. حتى أنه أبلغ أحد قيادات «حزب الله» أن مطالبته باستعادة الملف من أيدي الرئيس نبيه بري، انطلاقاً من حقه الدستوري وفقاً للمادة 52 من الدستور، إنما بهدف إنجاز هذا الملف وبناءً على المعايير التي وضعتها الدراسة المذكورة.

أما موقف الرئيس نبيه بري فلم يتبدل، لأنه كان خلال إمساكه بملف التفاوض مع الجانب الأميركي ينطلق من اعتبار أن التفاوض حول خط هوف هو التسوية المعقولة والممكنة التي يمكن أن تؤمن حقوق لبنان.

كذلك فإن إجراء مراجعة للمراحل التي مر بها ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، يقودنا الى استنتاج بأن الرئيس نجيب ميقاتي وفريقه من المستشارين هم الذين أسسوا للتنازلات التي أفضت الى اعتماد الخط 23 كخط تفاوضي وهو أقصى ما يمكن أن يطالب به لبنان. مع ضرورة الإشارة الى أن الدراسة التي أعدها المكتب البريطاني UKHO حول الخط 29 تم إخفاؤها في أدراج رئاسة الحكومة في العام 2013.

أما على صعيد موقف «حزب الله»، فإنني أعتقد أن الحزب يرى أن الأولوية هي للتسريع في إنجاز التفاوض حول هذا الملف وفقاً للرؤية التي تعمل على أساسها الدولة اللبنانية، حتى ولو كان ذلك سيؤدي الى التنازل هنا وهناك عن حقوق لبنان التي تتجاوز بكثير ما تطالب به هذه الدولة.

وأرى أن الحزب يهدف بذلك الى أمر واحد وهو بث جرعة أمل مستقبلية على المستوى الاقتصادي والمعيشي من خلال إمكانية تلزيم البلوكات النفطية والغازية المحتملة بسرعة، وحصول الدولة على قروض بناء على هذه الثروة المفترضة. ذلك أن الحزب بدأ يُقر بأن لا قدرة لديه على السير بوعوده حول مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة والمهربة، وبالتالي يبحث الحزب عن بدائل على المدى المتوسط أو الطويل، حتى ولو كانت هذه البدائل بعيدة المنال حالياً.



هل من يقود المفاوضات فعلياً هو «حزب الله» ولو بشكل غير مباشر؟

يمكن القول ان «حزب الله» صار شريكاً غير مباشر في المفاوضات بقوة النار، لكن لم تصل هذه الشراكة حتى اليوم الى إزاحة الدولة والجلوس مكانها. مع ضرورة التنويه بأن دوائر القرار في كيان العدو الإسرائيلي لم تعد تعير أي انتباه أو اهتمام لموقف الدولة، وإنما صارت تركز على مفاعيل مواقف الحزب وتحركاته الميدانية الموجهة بالخصوص ضد منصة حقل كاريش.

كيف تقرأ تصعيد «الحزب» في الفترة القليلة الماضية؟ وما هي فرص الحرب؟

حسب معطياتي فإن الحزب أجرى مراجعة لمسار ملف التفاوض، وخرج باستنتاج مفاده أن الأميركي بالتآمر مع الإسرائيلي يماطلان لتثبيت معادلة قائمة على «ان ما لإسرائيل صار واقعاً بيد إسرائيل، وما هو حق لبنان يمكن أن نتقاسمه معه. وبالتالي فإن إسرائيل ستبدأ باستخراج النفط والغاز من حقولها بينما ينتظر لبنان نهاية التفاوض». لذلك ركز الحزب منذ اللحظة الأولى على فكرة عدم القبول بتلك المماطلة والتهديد بإشعال حرب في حال لم يقم الوسيط الأميركي بتسريع وتيرة المفاوضات.

من هنا فإن احتمال الذهاب الى مواجهة عسكرية قوي وجدي، في حال لم يتم إيجاد مخارج تحفظ حق لبنان بالاستفادة من ثرواته وفق تصور الدولة غير العملي ولا القانوني ولا حتى السيادي.

هل هناك فعلاً حقل اسمه قانا؟ وماذا عن المخزون الاحتياطي المتوقع فيه؟

نحن كفريق كنا معنيين بملف التفاوض أطلقنا على جزء من البلوك رقم 9 تسمية «حقل قانا»، انطلاقاً من رمزية التحدي للعدو التي تمثلها قضية قانا المعروفة، وكان ذلك في سياق الحرب النفسية والاعلامية التي أعددناها لتعزيز موقف لبنان على طاولة التفاوض غير المباشر مع العدو.

بكل صراحة، فإن الدولة اللبنانية لم تُجرِ أية مسوحات علمية وتقنية دقيقة تفيدنا بحجم الثروات المنتظرة من حقولنا الافتراضية. في حين أن العدو لدية مسوحات دقيقة حتى لحقولنا. ولذلك فإن التغني بالحصول على ما يسمى حقل قانا هو في غير محله.

وعلى أي حال، فإن تجربة وزارة الطاقة في البلوك رقم 4 أثبتت بالدليل القاطع أن القيمين على هذه الوزارة في الحكومات المتعاقبة كانوا مجرد هواة وفاشلين.

ماذا لو رُسِمت الحدود البحرية خلال شهر أو شهرين، ولم تأت الشركات الأجنبية للحفر؟ ما السيناريو المحتمل في هذه الحالة؟

هو احتمال ممكن. وطرح دورة التراخيص الثانية مؤخراً وعدم تقدم أية شركة عالمية معنية للمشاركة فيها خير دليل. وهو أمر طبيعي، إذ كيف يمكن لشركات عالمية معروفة أن تتورط مع سلطة غير مستقرة وفي ظل تشريعات استنسابية ومتأرجحة، خصوصاً وأن حجم الاستثمارات التي ستضعها هذه الشركات للقيام بعملها هائلة.

هل تثق بالإدارة الحالية للبلاد في حُسن استخدام الإيرادات المتوقعة؟

قبل البحث في حسن استخدام الإيرادات المتوقعة، يجب أن نفكر بوضع ضوابط إدارية ومالية تمنع هذه الطبقة السياسية الفاسدة بمعظمها من سرقة ونهب تلك الإيرادات بأساليبها المحترفة، والتي من خلالها سرقت ونهبت المال العام وأموال المودعين وثروات لبنان الطبيعية في مجالات متعددة.



كيف تقرأ تصريحات التعويل على إيرادات الغاز لإخراج لبنان من أزمته؟

هي بكل شفافية، انها وعود واهية وغير مبنية على وقائع علمية واقتصادية. وإنما هي تهدف الى تهدئة نفوس اللبنانيين وإسكات الأصوات الحرة التي طالبت بالإصلاح السياسي والاقتصادي والمالي والنقدي، قبل الشروع في الاستفادة من أية استثمارات محتملة وممكنة ومن بينها الثروة النفطية والغازية. هذه التصريحات ليس سوى هروب الى الأمام، وتملص من تحمل مسؤولية التغيير في البنى الاقتصادية والمالية والإدارية. وقد اعتادت هذه السلطة السياسية بمكوناتها كافة ودون استثناء اللعب على الوقت وإيهام اللبنانيين بأن هناك أموالاً ستأتي، إن لم يكن من الدول الخارجية الداعمة والتي صارت تربطها اليوم بإجراء إصلاحات جذرية، فإنها ستأتي من خلال الاستثمار في ثرواتنا النفطية والغازية، وهو أمر غير صحيح في المدى المنظور على الأقل.

ماذا قال أيضاً؟

* الأخطر أن بعض المتطفلين على ملف الترسيم يلعبون أدواراً مشبوهة لمصلحة أميركا. الدراسة التي أعدها المكتب البريطاني UKHO حول الخط 29 تم إخفاؤها في 2013.

* بدأ "الحزب" يُقر بأن لا قدرة لديه للوفاء بوعود مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة والمهربة.

* احتمال الذهاب الى مواجهة عسكرية قوي وجدي، في حال لم يتم إيجاد مخارج تحفظ حق لبنان.

* لم تجر الدولة اللبنانية مسوحات علمية وتقنية دقيقة تفيدنا بحجم الثروات في حقولنا الافتراضية.

* تجربة وزارة الطاقة أثبتت بالدليل القاطع أن القيمين على هذه الوزارة كانوا مجرد هواة وفاشلين.

* كيف يمكن لشركات عالمية أن تتورط مع سلطة غير مستقرة وفي ظل تشريعات استنسابية ومتأرجحة؟

* التعويل على إيرادات الغاز لإخراج لبنان من أزمته وعود واهية وغير مبنية على وقائع علمية واقتصادية.