ريتا ابراهيم فريد

نور الدين طرابلسي يبتكر فرناً على الاحتباس الحراري

9 آب 2022

02 : 01

نور الدين خلال تكريمه

في ظلّ غياب الكهرباء وارتفاع تكلفة الغاز، بادر الطفل نور الدين طرابلسي، ابن الـ10 سنوات، الى اختراع فرنٍ صديق للبيئة ويعمل على الإحتباس الحراري. الفرن الذي يستمدّ طاقته من الشمس، يحتوي على قطعة زجاجية مثبتة في واجهته الأمامية، كي تتلقى الحرارة من الشمس وتعكسها الى الداخل، حيث يطغى اللون الأسود الذي يساعد على احتباس الحرارة.



هذا الاختراع المميّز أثار إعجاب الكثيرين على مواقع التواصل الاجتماعي، فكان بمثابة تذكير بقدرة أطفال لبنان على تحدّي الظروف الصعبة ومواجهتها بالإبتكارات والإبداعات، ودفع بوزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال جورج بوشكيان الى دعوة نور الدين وتكريمه.

"نداء الوطن" تواصلت مع نور الدين، الذي تحدّث عن ظروف اختراعه الفرن، وقال: "كنا في الصف وطلبت منّا المعلمة أن نختار إحدى المشاكل التي يعانيها لبنان، ثمّ نحاول إيجاد حلّ لها من خلال إعداد مشروع. رفاقي بدأوا يكتبون وأنا شاركتُ معهم. لكني فكّرتُ في ما بعد باختراع يساعد على حلّ مشكلة الغاز في لبنان، ولا يحتاج الى كهرباء، بل الى القليل من أشعّة الشمس في الخارج. فعملتُ على إنجاز هذا الفرن الذي يمكن وضع الطعام فيه من ساعة ونصف الى ساعتين وتركه في الشمس، وبعدها يصبح الطعام جاهزاً".

صغر سنّ نور الدين لم يمنعه من التفكير الدائم بحلول. فهو يعي تماماً الأزمة الكبيرة التي يمرّ بها لبنان، ويقول: "كوننا صغاراً لا يعني أنّه لا يمكننا أن نفيد وطننا. حلمي حين أكبر أن أساهم في جعل لبنان بلداً مميزاً، وأتمنى أن أصبح مهندساً مبدعاً".

فيلسوف وباحث صغير

تجدر الإشارة الى أنّ نور الدين كان سبق وأنجز اختراعات عدّة قبل هذا الفرن، فمنذ أن كان طفلاً صغيراً بدأت تظهر عليه علامات الإبداع، بحسب ما تشير والدته السيدة غادة: "حين كان يلعب بالمعجون، كان يفاجئني بأشكالٍ مميّزة يحوّلها الى قصص يؤدّيها من خياله. حتى إذا قدّمتُ له صحن خضار وفواكه، كان يحوّلها الى أشكال هندسيّة لافتة. أحياناً كان يستعين بعبوات المياه البلاستيكية أو أواني الطعام كي يحوّلها الى أشكال فنّية. كما كان يفكّك الألعاب القديمة أو المكسورة كي يكتشف مكوّناتها من الداخل، ثم يحاول استعمال القطع لتشكيل هياكل جديدة، حتى أنّه لا يستغني عن أيّ قطعة كرتون تدخل الى المنزل إلّا ويعيد استخدامها لشيء جديد".

هكذا بدأت الوالدة تكتشف شيئاً فشيئاً روح الفنّ والإبداع التي يتميّز بها ابنها. وحين أصبح في عمر أكبر قليلاً، أدخلته الى أكاديمية للـ"روبوتكس"، "ومن هُنا بدأ مشواره مع دعم وتوجيه من قبل السيدة ماجدة خليفة، التي منحته لقب الفيلسوف والباحث الصغير"، تقول الوالدة، وتضيف: "بدأنا حينها تحديد خياراتنا لشراء الألعاب. وبات لنور الدين اهتماماته الخاصة ورأيه الخاص في المشاريع والإبتكارات، إضافة الى مشاركات عدّة عبر مواقع أونلاين من شأنها أن تساهم في تنمية الروح الإبداعية لدى الأطفال، خصوصاً في فترة الحجر المنزلي بعد تفشّي وباء "كورونا".

أما بخصوص واجباته المدرسية، فتقول الوالدة: "كان لديه عروض إبداعية وابتكارية خاصة تختلف عن بقية رفاقه، لا سيّما أنّه أظهر بوضوح اهتمامه وعشقه التكنولوجيا. وشيئاً فشيئاً كثرت إبداعاته وبدأت تتطوّر. واللافت أنّه يحاول البحث والتعمّق بمفرده للوصول الى تحقيق الفكرة التي تخطر في باله".



نور الدين وابتكاره


مبدع من بلادي

من لقب "الفيلسوف والباحث الصغير" الذي أعطته إياه مدرّبته في المعهد، الى لقب "مبدع من بلادي" الذي منحه إيّاه وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال جورج بوشكيان حين استضافه في الوزارة. وتشير الوالدة الى أنّ الدّعوة أتت بالصدفة إثر اتصال من قبل الوزير دعاهم فيه الى زيارته في الوزارة بعد أن شاهد على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لمقابلة أطلّ فيها نور الدين وتحدّث عن اختراعه الجديد.

وخلال الزيارة، تحدّث الوزير الى نور الدين وتناقشا بمواضيع عدّة. وكان مدير البحوث والإبداعات الصناعية المهندس زياد شماس متواجداً وتمّ الاتفاق على إعطاء نور الدين دوراً في الاحتفال حيث يلقي خطاباً خلال تكريمه لهذا الاختراع المميّز.

وخلال مشاركته في الإحتفال، تفاجأ نور الدين بأنه الطفل الوحيد ابن السنوات العشر بين طلاب جامعيين من مختلف جامعات لبنان، بحضور شخصيات أجنبية ومديري جامعات.

"فرحته كانت لا توصف، ونال شهادة وجائزة ماليّة"، تؤكّد الوالدة، وتضيف: "أما اللحظة الأكثر تأثيراً التي جعلتني بالفعل أشعر بالفخر، كانت حين بقي وزير الصناعة واقفاً الى جانب نور الدين ليدعمه حتى أنهى خطابه بالكامل. كل المحبة والتقدير لوزير الصناعة وللمهندس زياد شماس لهذه اللفتة التي ستبقى محفورة في ذاكرة نور الدين ولن تنسى".



اللقاء مع وزير الصناعة



أدمغة أولادنا كنز علينا المحافظة عليه

الوالدة التي تكرّس كل وقتها لابنها، تشجّعه باستمرار وتسعى كي تؤمّن له كل ما يحتاجه ليصل الى أهدافه ويترجم أفكاره من دون صعوبات. وتصرّح كم هي محظوظة بأنّ نور الدين ابنها: "لا قيمة لأي شيء في الحياة أمام سعادة أولادنا. أحبّه أكثر من نفسي ولا يهمّني شيء في الدنيا إلا رؤيته سعيداً وواثقاً من نفسه".

ومن خلال تجربتها، شدّدت على أهمّية دور الأهل في تقديم الدعم لأطفالهم وإبعادهم عن كلّ ما يمكن أن يحبطهم ويخفّف من عزيمتهم. وتوجّهت لهم بالقول: "أيّها الأهل، لا أحد يعرف أولادكم أكثر منكم. ودورنا كأهل أن نمدّهم بالدعم وأن نقوّي الثقة في قدراتهم، فهم فسحة الأمل الباقية في بلادنا". وأضافت أنّ الحب والاهتمام هما الأساس في استمرارية العطاء والتقدّم وتنمية مواهب الأطفال. ولفتت الى ضرورة إعطائهم مثالاً بعدم اليأس، وختمت بالقول: "الحياة تستحقّ التعب من أجل النجاح والإبداع، وأدمغة أولادنا هي كنز علينا المحافظة عليه والعمل بجهد لتأمين كل الفرص لهم، كي ينالوا التقدير الذي يستحقّونه".