رفيق خوري

رهانات بسيطة في أوضاع معقدة

13 آب 2022

02 : 00

لبنان، كما تراه إيران، رأس حربة ضد الوجود الأميركي في "غرب آسيا" وقاعدة صواريخ ضد إسرائيل. وأقل ما يقوله السيد حسن نصرالله هو إن "المقاومة ليست تهديداً لإسرائيل فقط بل أيضاً لكل المشروع الأميركي في المنطقة". لكن لبنان الرسمي يتكل على أميركا، وسط تسليم الجميع، في أمور كثيرة، بينها تسليح الجيش، والتوسط في ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وتسهيل الإتفاقات مع صندوق النقد والبنك الدوليين وسواها. ولا طرف يجهل أين تنتهي بنا سياسة البدء من اعتبار أن أميركا هي "العدو" والهجوم على الأشقاء العرب. لا أطراف "محور الممانعة". ولا أطراف التوجه المعاكس والتقليدي نحو الغرب الأميركي والأوروبي والإرتباط المصيري بالأشقاء العرب والإنفتاح على روسيا والصين. لكن الكل يدرك أن لبنان الذي كان ولا يزال يختلط المشهد فيه بين أين يبدأ الداخل وينتهي الخارج، هو اليوم أسير إرتباط مزدوج: إيجابي وسلبي".

ذلك أن الإنطباع السائد هو أننا محكومون بسلسلة من الحلقات تقود الى إنفراج أو إنفجار: الإتفاق على ترسيم الحدود البحرية ومع صندوق النقد الدولي وإجراء الإصلاحات وإقرار المشاريع الملحة المطلوبة، تنتهي بالنجاح في إنتخاب رئيس يوقف إنهيار الجمهورية. والفشل في ترسيم الحدود والعجز عن الإتفاق مع صندوق النقد والإمتناع عن إجراء الإصلاحات والإصرار على اللاحكومة تنتهي الى فراغ رئاسي وإنهيار جمهورية وربما الى الدخول في حرب مدمرة مع إسرائيل أو أقله الى إضطراب داخلي شديد.

وما عدنا نستغرب أن نرى أو نسمع، وسط كل هذه المخاطر والأزمات والتحديات، إندفاع المسؤولين في معاركهم الصغيرة التافهة. ولا بالطبع أن نجد أنفسنا في وضع لا تفسير له. فمنذ سنوات، وفي كل مرحلة صعبة في الأزمات السياسية والمالية والإقتصادية والإجتماعية كما في السطو على المال العام والخاص وتبخر أموال الودائع، نسمع صراخ القائلين: كفى. أوضاع اللبنانيين لم تعد تحتمل ولبنان لا يمكنه أن يتحمل بعد. لكن اللبنانيين ولبنان يتحملون. يرسلون أبناءهم الى الخارج للعمل، فلا إنتفاضة ولا ثورة.

والأخطر هو تكرار الرهانات من زمان في الأزمات على أمر واحد وتصور الخلاص بعده. من الرهان على الخلاص من تحكم "الشعبة الثانية" الى الرهان على ما بعد الرئيس سليمان فرنجية، ثم على ما بعد الرئيس أمين الجميل، ثم على الطائف وما بعد حكومة العماد ميشال عون، ثم ما بعد الرؤساء الذين جاءت بهم الوصاية السورية، ثم ما بعد الإنسحاب السوري والإنسحاب الإسرائيلي، الى ما بعد عهد الرئيس عون وهيمنة "الثنائي الشيعي".

سلسلة رهانات بسيطة في أوضاع معقدة تحتاج الى ما هو أكثر من نهاية شيء واحد. فلا تغيير من دون كتلة شعبية تاريخية. ولا معنى للقتال على رئاسة بلا جمهورية.

أين الصحابي أبو ذر الغفاري القائل: "عجبت لمن لا يجد قوت عياله كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه؟".


MISS 3