إلبريدج كولبي

على الولايات المتحدة أن تستعدّ للحرب من أجل تايوان

17 آب 2022

المصدر: Foreign Affairs

02 : 00

الرئيس الأميركي جو بايدن خلال مؤتمر مع نظيره الصيني شي جين بينغ | واشنطن، آذار 2022
لماذا تمتنع الولايات المتحدة عن تكثيف جهودها استعداداً للحرب مع الصين بسبب تايوان؟ جاءت زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان هذا الشهر وردة فعل الصين المفرطة عليها لتؤكدا على خطورة هذا الملف. لقد تحوّلت الحرب مع الصين من سيناريو مستبعد برأي الكثيرين إلى سيناريو واقعي على نحو مخيف. لكن يتعلق واقع مقلق آخر بعدم استعداد الولايات المتحدة لخوض صراع مماثل رغم التزامها القوي بشؤون الجزيرة وحُكمها الذاتي، وهو موقف تُشدد عليه إدارة بايدن. نظراً إلى تصريحات واشنطن العامة وطبيعة استراتيجياتها، من المنطقي أن تتصرف الولايات المتحدة وكأنها توشك على خوض حرب كبرى مع قوة عظمى مسلّحة نووياً.

رغم الخطوات الصائبة التي تتخذها إدارة بايدن، تبدو التغيرات التي أحدثتها حتى الآن أقل من مستوى التهديدات الصينية. نتيجةً لذلك، لا تدعم الولايات المتحدة على ما يبدو خطاباتها القوية والجديرة بالثناء عبر بذل الجهود اللازمة للاستعداد لهزم أي هجوم صيني محتمل ضد تايوان.

تتخذ وزارة الدفاع الأميركية خطوات بارزة لمعالجة التهديدات الصينية طبعاً. يُعتبر "تصميم قوة مشاة البحرية للعام 2030" مثالاً واضحاً على هذه الجهود. يبذل المعنيون أيضاً جهوداً كبرى داخل القوات الجوية، وقيادة الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادئ، والقيادة الاستراتيجية الأميركية، ومكتب وزارة الدفاع، وأماكن قليلة أخرى. لكن لم تتحول هذه المبادرات إلى معيار بحد ذاته، بل إنها مجرّد استثناءات جديرة بالثناء من حيث قوتها وطابعها العاجل، وهي تهدف إلى تغيير أداء الجيش وتحسين قدرته على مواجهة التحديات المتزايدة. لكن تعطي معظم المؤشرات الأخرى، بما في ذلك رسائل كبار القادة في الوزارة، انطباعاً مفاده أن الوضع لا يزال على حاله بدل اتخاذ مقاربة عاجلة تتماشى مع خطورة الظروف المستجدة.

يحذر كبار المسؤولين الأميركيين وأهم خبراء الدفاع المحليين من تراجع وتيرة التغيرات اللازمة لردع الصين. يذكر خبير الدفاع، أندرو كريبينفيتش، مثلاً أن القوة المشتركة لم تُطوّر بعد مفهوم العمليات المناسب للتصدي للصين. وفي شهر حزيران، كتب ديفيد أوشمانيك، نائب مساعد وزير الدفاع السابق: "لن تملك القوات العسكرية اليوم، ولا تلك التي ستنشأ في العام 2027، القدرات اللازمة عبر مفهوم العمليات المشتركة الناشئ لهزم الغزو الصيني لتايوان". تصبّ تحليلات مُطّلعة وموثوقة أخرى في الخانة نفسها.

لزيادة تركيز الولايات المتحدة على التهديدات العسكرية الصينية ضد تايوان، تقضي إحدى الطرق بإعادة توجيه القوات العسكرية الأميركية وتجهيزها لتحقيق هذه الغاية. توقّع الكثيرون مثلاً أن تعلن "مراجعة الموقف العالمي" التي أعدّتها وزارة الدفاع الأميركية عن مبادرات جديدة ومهمة في المحيطَين الهندي والهادئ وتُحوّل كامل تركيز النشاطات العسكرية الأميركية إلى تلك المنطقة. لكن لم تُقدِم الإدارة الأميركية على هذه الخطوة.

على بعض المستويات الخطيرة، تراجعت مكانة الولايات المتحدة من حيث طريقة نشر قواتها العسكرية. زادت الإدارة الأميركية مثلاً عدد عناصرها في أوروبا من 60 ألفاً في العام 2021 إلى أكثر من 100 ألف اليوم. وبحسب الجنرال كريستوفر كافولي، رئيس القيادة الأميركية في أوروبا، من المتوقع أن تبقى هذه المستويات على حالها إلى أن تتوقف الأعمال العدائية في أوكرانيا على الأقل. وبما أن الإدارة الأميركية تتوقع أن تطول مدة الحرب في أوكرانيا، قد يستمر هذا الوضع إلى أجل غير مُسمّى.

الأسوأ من ذلك هو إعلان الإدارة الأميركية نيّتها تجديد التزاماتها في الشرق الأوسط. بدا وكأن الجنرال مايكل كوريلا، رئيس القيادة المركزية الأميركية، أراد أن يزيل أي شكوك حول معنى هذا التوجه حين قال: "تبقى هذه المنطقة محور المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وروسيا والصين". إنه وضع مقلق لأن زيادة المطالب بنقل القوات العسكرية إلى القيادة المركزية أضعفت قدرة وزارة الدفاع على تنفيذ "استراتيجية الدفاع الوطني" للعام 2018 في عهد دونالد ترامب.

نتيجةً لذلك، لن يكون نشر القوات الأميركية أو تغيير مواقعها كافياً لمعالجة اختلال التوازن العسكري في ملف تايوان.

في المقابل، سيكون انتزاع مساهمات عسكرية متزايدة من أهم الحلفاء في آسيا وساحات أخرى، مثل أوروبا والشرق الأوسط، كفيلاً بتحرير القوات الأميركية من التزاماتها الأخرى وزيادة تركيزها على آسيا. لكن باستثناء بعض الجهود القيّمة داخل آسيا، لا تحاول الإدارة الأميركية على ما يبدو أن تضغط على حلفائها لتحمّل مسؤوليات إضافية.

يبدو أن معظم خطابات واشنطن والتزاماتها تُركّز على طمأنة الحلفاء حول استمرار النشاطات الأميركية بشكلها السابق، ما يعني أن تحافظ الولايات المتحدة على وجود عسكري فائق في مختلف المناطق. لم تضغط واشنطن جدّياً على حلفائها الأوروبيين لدفعهم إلى توسيع دورهم في مهام الدفاع التقليدية لحلف الناتو، ولم تحاول رفع مستوى الإنفاق الدفاعي بالشكل المتوقع، مع أن جميع المعطيات تشير اليوم إلى أهمية اعتبار نسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي لكل بلد الحد الأدنى المتوقع بدل أن تعكس أقصى الطموحات. من خلال رفض الإصرار على تحميل الحلفاء مسؤوليات متزايدة في أوروبا والشرق الأوسط، تبدو رسالة الإدارة الأميركية بعيدة عن الخطوات المطلوبة لتمكين البنتاغون من زيادة تركيزه على آسيا.

عند مراجعة هذه المجالات المؤثرة، يسهل أن نرصد تناقضاً واضحاً بين أهداف الإدارة الأميركية المعلنة وطبيعة التهديدات والتحركات الرامية إلى التصدي لها. رغم إطلاق مبادرات بارزة وجديرة بالثناء، لم يتحقق أي نوع من التغيرات الأساسية المطلوبة لإنتاج قوة مشتركة ومستعدة لمنع أي هجوم صيني ضد تايوان على المدى القصير أو الطويل. لن تكون هذه المقاربة كافية، لا سيما عند مقارنتها بالحشد العسكري المبهر والتاريخي من الجانب الصيني.

من الواضح أن إدارة بايدن ليست الجهة الوحيدة التي جعلت الولايات المتحدة تتأخر في استعداداتها لمواجهة تهديدات الصين الخطيرة تجاه تايوان، بل تتقاسم الإدارات السابقة ومجالس الكونغرس المتلاحقة منذ عقود هذه المسؤولية أيضاً. في غضون ذلك، يصعب إحداث أي تحوّل استراتيجي فعلي، فقد وجدت إدارتا أوباما وترامب سابقاً صعوبة في تحويل التركيز الأميركي نحو آسيا. حتى أن إدارة بايدن ليست الجهة الوحيدة المعنية بهذا الدور، بل يجب أن يقوم الكونغرس وحلفاء الولايات المتحدة بواجباتهم أيضاً. في مطلق الأحوال، يبقى الرئيس جو بايدن وفريقه المسؤولين عن الوضع في هذه المرحلة التي تحمل مخاطر عاجلة. من واجبهم إذاً أن يتحركوا لتجنب الكارثة.

لا أحد يعرف أصلاً مدى استعداد الصين لمهاجمة تايوان خلال هذا العقد. لكن من المنطقي أن تصبح بكين أكثر استعداداً لشن هجومها حين تستنتج أن فرص نجاحها عالية، وتنذر عوامل بارزة بأنها تعتبر هذا العقد الأكثر إيجابية بالنسبة إليها. يقترب الأميركيون وحلفاؤهم اليوم من نقطة ضعف متزايدة في ملف تايوان، أو ربما أصبح هذا الضعف راسخاً أصلاً. هم لا يستطيعون الاكتفاء بالتركيز على المستقبل البعيد، بل يجب أن يواجهوا التهديدات القريبة والبعيدة في آن. وحتى لو تبيّن أن بكين تفكّر بالانتظار حتى العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، يبقى الوضع الراهن عاجلاً. لا يمكن اعتبار استراتيجية الدفاع مسألة قصيرة الأمد لأن القرارات التي يتخذها المسؤولون اليوم لن تعطي ثمارها قبل مرور سنوات، أو حتى عقود. لهذا السبب، يجب أن تتحرك الولايات المتحدة في أسرع وقت وتتخذ خطوات صارمة لمواجهة التهديدات الفورية وتحسين جهوزيتها لثلاثينات هذا القرن.

يبدو أن الإدارة الأميركية تحمل النظرة نفسها حول التهديدات المطروحة والخطوات المطلوبة منها. لكن لن تكون تحركاتها الراهنة كافية للتوصل إلى الحل المنشود. إذا كان هذا التقييم دقيقاً، سيُمهّد الوضع الراهن لكارثة حقيقية.

لا يستطيع أحد أن يطّلع على جميع الوقائع، لذا يمكن الوثوق بمعطيات المسؤولين في الإدارة الأميركية بدرجة معينة. لكن كيف ينوي المعنيون معالجة هذه الثغرة الواضحة خلال العقد المقبل أو على المدى الطويل؟ لا يمكن مناقشة هذا الموضوع علناً على الأرجح، لكن يمكن طرح الخطوط العريضة للمقاربة المعتمدة على الأقل. يجب أن يفهم الناخبون وممثّلوهم الخطة الوطنية العامة وطريقة تنفيذها قبل أن يمنحوا الدعم اللازم لإحداث تحوّل عاجل وردع الصين وتجنب الحرب معها. خلال الحرب الباردة، طرحت واشنطن تفسيرات علنية مفصّلة حول استراتيجياتها لردع العدوان السوفياتي، أو حتى هزمه عند الحاجة. تستطيع الإدارة الراهنة إذاً أن تتبنى مستوىً مشابهاً من الوضوح والجدّية في مقاربتها.

لكن من دون هذا الوضوح وفي ظل غياب أي أدلة على حصول تغيير جذري، يُفترض أن يتساءل الأميركيون: هل يجب أن تتصرف حكومتهم بهذه الطريقة إذا كانت مقتنعة بأن حرباً كبرى مع قوة عظمى منافِسة تلوح في الأفق؟ سيكون الجواب سلبياً طبعاً، ويُفترض أن يثير هذا الوضع قلق جميع الأطراف.


MISS 3