روي أبو زيد

الابتذال... باب الكوميديا الوحيد؟!

5 تموز 2019

11 : 43

public laughing

"لا شيء دائماً في هذا العالم، حتى مشاكلنا"، قولٌ أطلقه الممثل الكوميدي تشارلي شابلن في ثلاثينات القرن العشرين. لكنّ ما لم يدركه شابلن حينها أنّ نصوص الكوميديا في عصرنا هذا ستصبح أكبر مشاكلنا!

ما من أمر يحول دون إيصال ما نفكّر به للرأي العام وعلى الوسائل السمعية والبصرية كافة من دون حسيب أو رقيب. فكلٌّ يغنّي على ليلاه، ومن أراد أن يسخر من شخصيّة ما أو موقف معيّن أو حتى أن يفجّر كبته الجنسي، يلجأ الى ساحة الكوميديا ويحارب بأسلوب دون كيشوتي طواحين الهواء. أما الأسوأ فهو استرسال المتلقّي في الضحك من دون تفاعل فعلي مع ما يدور حوله حتى ينتهي أسيراً للتفاهة!
تغيّرت أوجه الكوميديا كثيراً منذ أربعين عاماً حتى يومنا هذا، فزمن "المعلمة والأستاذ" و"أبو سليم" و"دويك يا دويك" و"الدنيا هيك" وغيرها من المسلسلات الفكاهية قد ولّى واستُبدلت بـ "أبو عزيز" و"توت" الشهيرة، "مجدي ووجدي"، "ماريوكا" مومس المسارح والفنادق، وغيرها من الشخصيات التي يظنّ الرأي العام لوهلة أنها وحدها تعكس صورة مجتمعه.
يشير الممثل والكاتب المسرحي جورج خبّاز الى أنّ "الكوميديا كانت أرقى سابقاً وتحمل رسالة هادفة". أما النصوص الكوميدية اليوم، بحسب قوله، "مبتذلة وهدفها التجريح والسخرية"، مضيفاً أنّ السبب الرئيس يعود إلى "قلة الثقافة وغياب الموهبة، فضلاً عن سهولة الوصول الى المنابر كافة مع الإفلات من الرقابة في معظم الأحيان".
ويشدّد خباز على أنّه "لا يمكننا التعميم، فما زال عندنا من يكتب الكوميديا بشكلٍ راقٍ خالٍ من الابتذال والتهريج وإثارة الغرائز الجنسية أو اللعب على الوتر السياسي"، معتبراً أنّ "الزمن كفيل بغربلة الأعمال والمواد المتناولة".
من جهته، يؤكد الكاتب والممثل الكوميدي نعيم حلاوي أنّ "الكوميديا تطوّرت عبر الزمن، فقديماً كان الجمهور يتفاعل مع التهريج، أما اليوم ومع انفتاح المجتمعات على وسائل التواصل الاجتماعي، يفضل الناس النكتة الذكيّة".
ويرى حلاوي أنّ "النصوص الكوميدية تتّجه نحو الابتذال لإضحاك الجمهور بطريقة أسهل"، لافتاً الى أنّ "الجمهور يتقبّل مثل هذه النكات لأنها أصبحت محطّ كلام أو موقفاً في حياته اليوميّة، بعكس الدّعابة الاجتماعية والسياسية التي قد لا تلقى ترحيباً لدى شريحة واسعة من المجتمع بسبب خلفيّتها الدينية أو السياسية، أو حتى البيئة المحافظة التي تنتمي اليها".
أما الممثل المسرحي والكوميدي ماريو باسيل فيعتبر أنّ "ضعف الإنتاج التلفزيوني سبب رئيس لملء فراغ شبكات البرامج بمواضيع كوميدية، لذلك بات لزاماً على الكاتب الكوميدي في المسرح ابتكار أفكار خلّاقة تجذب الجمهور الى عالم الشانسونييه".
ويشير باسيل الى أنّه "يستعمل الوسائل المتاحة كافة، حتى المبتذلة منها للإضحاك وجذب الجمهور "لذا ابتكرت شخصيّة "ماريوكا" مثلاً التي تحمل في طيّاتها رسائل مبطّنة، خصوصاً أنها تعكس حالة أي امرأة يرهقها واقعها الماديّ فتلجأ الى الدعارة لسدّ رمقها".
ويلفت الكوميدي إلى أنّ "لبنان كان سويسرا الشرق، أما اليوم فأصبح مزبلة الشرق وتتناول البرامج الكوميديّة واقع الانحدار هذا باسكتشاتٍ مختلفة".
بدوره يعتبر الممثل أندريه أبو زيد أنّ "بعض الكوميديين يفرض على الجمهور محطات تلفزيونية معينة بهدف رفع نسبة المشاهدة، فالناس بطبعها تميل الى المواضيع المبتذلة كي تضحك وتنسى همومها"، مؤكداً أننا "كشعبٍ لبناني نميل الى استخدام النكات الإباحية والعبارات الجنسيّة في حياتنا اليوميّة". ويضيف: "وسائل التواصل الاجتماعي كسرت قيود الأخلاق والتهذيب بحيث أصبحت الأمور كلّها مباحة ومتاحة عبر منابرها، لذا ليس من الغريب الاتجاه الى الابتذال في الكوميديا من أجل التسويق".

رأي علم النفس

تؤكد المعالجة النفسية وخبيرة العلاقات رودنا نجم أنّ "الكوميديا المبتذلة أسلوب سهل يهرب فيه الناس من القيود التي تسبب لهم الضغوط وتكبّلهم، فتنسيهم الواقع المرير الذي يعيشونه، فتكون مثل هذه البرامج متنفّساً أو نوعاً من الهروب"، معتبرةً أنّ "الابتذال يهدف الى استغلال مَواطن الضعف والجهل المتفشّي لدى الشريحة اليافعة والشابة في مجتمعاتنا".
كما تشدد على ضرورة "ملاحقة الشباب والمراهقين كي لا يقعوا في فخّ الابتذال فيفقدوا اتّزانهم ويتخطوا الحدود بعدما أصبح كلّ شيء مباحاً"، مشيرةً الى أن "النكات البذيئة نوع من التحرّش الجنسي اللّفظي وخصوصاً في المجتمعات المحافظة".


MISS 3