شربل داغر

"الثورة"... المشتهاة

23 كانون الأول 2019

01 : 30

بدا لفظ "الثورة" الأكثر تداولًا بين المحتشدِين اللبنانيين، والإعلاميين وأعداد من الكتاب والمعلقين. فما يقول؟

لو عدتُ إلى "لسان العرب" لما وجدتُ صلةً اشتقاقية لازمة بين "الثَّوْر" و"الثورة"، مع أن ابن منظور يُورد اللفظَين في المدخل المعجمي عينه. ومن يتتبَّع المعاني والدلالات المتحدرة من هذا الجذر (ث و ر)، سيجد التقارب ممكنًا بين اللفظَين. ومن يفحص بصورة مزيدة المشتركات بينهما، سيجد أنها عديدة. ومن يتمعن في هذه المشتركات سيرى أنها تميل إلى تحديد أفعال وسمات ذات صفة "سلبية". منها: الهَيَجان، والثَّوَران (ما يعني الاحمرار كذلك)، والإثارة، والمُثاوَرَة (أي المُواثبة)، والثائرُ الغضبان، وثورُ الغضب أي حدتُه، وثارت الفتنة أو الغبار أو الدخان وغيرها؛ وقد تبلغ الثائرةُ الضجةَ والشغب. "الثورة" في حضرة اللغة، وخارجها، ليست مستحبة، ولا محمَّلة في ماضيها بمرتجيات لبنانيي اليوم، كما يتضح.

اللفظ نادرٌ في قديم العربية، على الرغم من الحديث عن "ثورة الزنج" وغيرها. وينسب البعض الترادفَ بين لفظ "الثورة" وبين اللفظ الفرنسي (révolution)، إلى أحمد فارس الشدياق... إلا أن النصف الثاني من القرن العشرين سيشهد تناميًا بل امتدادًا لهذا اللفظ: ما كان انقلابًا في 23 يوليو- تموز في سنة 1952 في مصر، سيتحول بتلقائية مرغوبة إلى "ثورة". وهكذا في انقلابات سورية والعراق بلوغًا إلى "ثورة الفاتح من سبتمبر" مع معمر القذافي في ليبيا، في العام 1969. وهو ما امتدَّ في الخطاب عن الشعر الحديث، في الحديث عن "ثورة الشعر العربي الحديث"، وعن "كسرٌ للعروض". وهو ما يصحُّ قبل ذلك في الكلام عن "ثورة الأدب"، و"ثورة النثر" وغيرها.

يبقى السؤال: كيف انتقلَ اللفظ من معنى سلبي إلى معنى إيجابي، بل مشتهى؟ وهل يعني التعويل المستجد عليه تأكيدًا على وقائع سياسية باتت ممكنة في التاريخ العربي المتأخر؟ أم يعني التعويلُ عليه تعويضًا رمزيًا عما يمكن للغة أن توفره في الوقت الذي يتمُّ فيه استعصاؤه في السياسة؟


MISS 3