خالد العزي

صورة المرأة في الحراك اللبناني...

27 كانون الأول 2019

02 : 00

منذ اندلاع انتفاضة السابع عشر من تشرين الاول كان دور المرأة اللبنانية لافتاً وبارزاً في الحراك حيث باتت تلعب دوراً ريادياً في هذا الحراك المطلبي الاقتصادي حيث كانت المرأة فيه تتصدر المشهد .

اذا، الانثى هي أيقونة الثورة اللبنانية فهو اللقب الذي اختاره اللبنانيون للوجوه الجميلة التي تصدرت الحراك لأنها بالفعل أيقونة للحرية والكرامة والمبادئ قولاً وفعلاً. ساهمت وسائل الاعلام اللبنانية والعالمية المختلفة الإضاءة على هذه الوجه وابراز دورهن الفاعل في التحركات والتظاهرات وطبيعة افعالهن، فكان الاعلام بمختلف وسائله يساهم في اظهار الايقونة الفاعلة في الحراك اللبناني، حيث كانت الصرخات والافعال تراقب وتغطى بشكل واضح، مثالا على ذلك دور الفنانات وكذلك تظاهرات الامهات وايضا الضرب على الطناجر التي استخدمتها النساء، وباتت حركة تتنقل في المدن اللبنانية كافة في رد فعل النساء على الوضع الاقتصادي المتدهور وطبعا لم تكن تعرف هذه العملية بانها عملية تم استيرادها من تظاهرات تشيلي والارجنتين كفعل اعتراضي من قبل سيدات المجتمع اللبناني.

وهنا لا بد من التوقف امام الحالة الجديدة للصورة الاعلامية التي كانت وراء الدور البارز للأنثى المتعلقة بنقطتين على اساس علم النفس الذي يعود الى:

- بروز دورهن بسبب الكبت الذي فرض عليهن في البيئة الاجتماعية والحياتية اللواتي عشن فيها والتي كانت تقلل من دورهن، وافعالهن، واعمالهن، وآمالهن.

- مستوى الوعي والتعليم العالي للنساء والخبرة الجديدة التي حصلت عليها النساء من خلال التعليم ومعرفة التكنولوجيا، والاستقلالية الاقتصادية، اضافة الى اختلال في العدد لصالحهن.

فهناك جملة من الشواهد على أن المرأة وضعت نفسها في المقدمة وفي موقع قيادي؛ مثلا لقد انتشر فيديو تظهر فيه فتاة لبنانية وهي تتصدى لأحد رجال الأمن، على نحو تحوّل فيه هذا الشريط إلى عنوان لقوة المرأة اللبنانية في دعاوى الحرية والتغيير الإصلاحي.

والصورة الشهيرة التي نشرها الاعلام من جسر الرينغ عن الفتيات المحجبات اللواتي افترشن الارض عندما قطع الثوار الطريق، وتعرضن لهجمات بربرية من سلطة الامر الواقع.

والصورة التي انتشرت مؤخرا من دوار كفرمان لصورة المرأة الجنوبية التي تحمل احجاراً من اجل الدفاع عن ابنها بعد شن الهجمة على المتظاهرين من قبل انصار السلطة فكانت الصورة تروج بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي وتظهر قوة المرأة واصرارها على الدفاع عن حقوقها. وايضا كيف حاولت المحتجات اضافة تنويعات جديدة على النشيد الوطني "كلنا للوطن" من خلال وصفهن بان لبنان "منبت للنساء والرجال"، وكذلك تحويل العديد من الاغاني في صرخاتهن في الشوارع كما حال الاغنية "طالعة بدها تتظاهر، طالعة عالاعتصام، طالعة بدها حرّية/ طالعة تسقط نظام".

لقد فرضت المرأة نفسها ودورها في الحراك ليس من خلال صورتها الجميلة كأنثى وهنا يمكن التركيز على السمات "الانثوية"، ليس من خلال الحضور الكمي لهن في الساحات بل من خلال المشاركة الحثيثة والنوعية التي جسدتها في دورها السلمي، والصورة الجميلة للنساء، وصورتها كأم متواجدة في الساحات الى جانب اولادها او الى جانب الشباب. لقد تجلى دور النساء الامهات، والصبايا والشباب في الحراك الذي لا يزال مستمراً طوال 67 يوماً، فكانت تتصدر الصفوف الاولى والمواجهات والدفاع عن الساحات ومنع القوى التخريبية مع احزاب السلطة للسيطرة، وكذلك منع اعتقال الشباب او الاستفراد بهم، اضافة الى ذلك كان الدور البارز للمراسلات في تأدية الخدمة الاعلامية، والتي برزت في ادائهن المميز في التغطية حيث باتت واضحة قدراتهن المهنية . لقد ظهرت المرأة في صورة مميزة كونها قيادية في الساحات وفاعلة وقادرة على المواجهة في الشارع ضد الآخرين، فكانت هي التي تصنع الشعارات المرفوعة في التظاهرات، وكانت تقود الهتافات في اعلى صوتها بكل جدية.

لقد طغى الاعجاب والتقدير في الداخل والخارج، على دور المرأة، في ثورة 17 تشرين ووصف هذا الدور بالأبهى والأشجع والأرقى والأغنى والأعمق وعيا في تاريخ لبنان.

فاذا حاولنا المقارنة بين ثورة 2005 وثورة 2019 ، كانت المقاربة مختلفة بين الفترتين لمشاركة النساء، ففي الاولى لم يكن دورهن بارزاً بالرغم من المشاركة الكثيفة لهن، بل كان دورهن كمّياً عكس الثورة الحالية، والتي برعت النساء فيها في اظهار دورهن الذي تبلور بثقافة سياسية واجتماعية عالية لدى الحركة النسوية من خلال دورهن البارز كمناضلات وثائرات وليس مدعوسات ومحاصرات لمفاهيم تقليدية كالكوتا النسائية، وحق المشاركة في المؤسسات، وبعض مطالب الحرية والمساواة، لكن الثورة الحالية اظهرت بانهن ثائرات ناشطات ذات مستوى عالٍ من القوة والوعي من خلال مبدأ المساواة والمصالح العليا للبلد.

لذلك بات دور المرأة طليعياً في الحراك ولم يعد مقبولاً اخفاء صورتها الجميلة وقدرتها العالية في القيادة والتحرك، وهنا يمكن تشبيه دور ايقونات الثورة اللبنانية في الحراك بدور "الكنداكيات السودانيات" في ثورتهن الرائعة التي تشبه الى حد كبير الحراك اللبناني.

MISS 3