جاد حداد

طارق رمضان... قصّة "دجال" من الطراز الرفيع

13 كانون الثاني 2020

12 : 25

يكشف المحلل الصحافي الفرنسي السويسري إيان هامل في كتابه الأخير Tariq Ramadan - Histoire d'une imposture (طارق رمضان: قصة دجال) مسار صعود وسقوط رجل مخادع بامتياز...

يستعمل إيان هامل أسلوباً مباشراً في كتابه الجديد الذي يتمحور حول طارق رمضان. لا يعرف الكثيرون المسار الشائك الذي سلكه هذا المفكر الإسلامي بقدر هامل. في العام 2007، طرح هامل أول سيرة لاذعة عن الرجل الذي اعتبرته مجلة "تايم" واحداً من أهم سبعة مبتكرين دينيين في القرن الواحد والعشرين. منذ ذلك الحين، رُفِعت خمس شكاوى ضده بتهمة الاغتصاب، فأصبح ملفه ثقيلاً جداً واكتشف العالم أجمع أن رمضان المعروف بالمراوغة في خطاباته كان يخفي أيضاً حياة مزدوجة.

بنظر هامل، يتخذ خداعه في المقام الأول طابعاً إيديولوجياً. حصل طارق رمضان في البداية على دعم عالم الاجتماع الاشتراكي جان زيغلر، وأيّد في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين موجة العولمة البديلة وحاول تجميل صورة جماعة "الإخوان المسلمين" (أسّسها جده حسن البنا الذي كان معجباً بموسوليني وهتلر) واعتبرها وسيلة لمناهضة الاستعمار.

على عكس شقيقه هاني الذي لم يُخْفِ يوماً ميوله الأصولية (الرجم برأيه "شكل من التطهير")، اتكل طارق رمضان على المناورات والتمويه، على طريقة إيمانويل ماكرون اليوم، فكان يهتم بإثارة إعجاب وسائل الإعلام الغربية والقاعدة الإسلامية في آن. بعد الاعتداء على صحيفة "شارلي إيبدو"، كتب على صفحته على فيسبوك: "لا شيء يبرر هذه الأعمال المريعة". لكنه عاد وشرح على إذاعة سويسرية في اليوم التالي أن تلك المجلة الأسبوعية الساخرة تستعمل "أسلوباً فكاهياً جباناً"، ثم تساءل في صحيفة "لوتان" السويسرية عن "دور الأجهزة السرية في هذه القضية".

لكنّ خداع رمضان كان فكرياً أيضاً. لم يكف هذا الرجل يوماً عن تضخيم سيرته الذاتية، فطرح نفسه كـ"أستاذ في الفلسفة والفكر الإسلامي" من جامعة "فريبورغ"، مع أنه كان في الواقع مجرّد مُحاضِر. يقول عالِم السياسة الفرنسي جيل كيبيل إن عالِم الدين المزعوم لم يكن "مستعرباً من الدرجة الأولى". أما فنسنت غيسر، باحث في معهد الأبحاث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي في مدينة "إيكس إن بروفنس" الفرنسية، فيقول بأسلوب لاذع: "هو نكرة على المستوى الديني. هو ليس فيلسوفاً ولا مفكراً إسلامياً".




لكن يبقى خداع رمضان في المقام الأول أخلاقياً. بانتظار حكم القضاء النهائي، سبق وأثبتت تُهَم الاعتداءات الجنسية المتراكمة إلى أي حد كان هذا الداعية منافقاً. في مقابلة مع قناة "بي أف أم" الفرنسية، في شهر أيلول الماضي، تكلم رمضان عن وقوعه في "فخ مُدبّر". لكن لطالما كانت حياته الخاصة سراً مكشوفاً: في العام 2010، قابل هامل ماجدة البرنوصي، وهي امرأة بلجيكية من أصل مغربي سردت تفاصيل علاقتها العاصفة مع المفكر الإسلامي على مر 80 صفحة.

لكن وافقت البرنوصي أخيراً على التزام الصمت على مواقع التواصل الاجتماعي مقابل اتفاق مالي بقيمة 27 ألف يورو مع طارق رمضان. في السنة الماضية، استجوب المحققون حوالى عشر نساء أقمن علاقات جنسية معه، فتكلمن عن ممارسات خانقة وعلاقات وحشية، ولو أنها حصلت بموافقتهنّ. عثرت الشرطة على 399 رسالة نصية أرسلها إلى امرأة تتهمه اليوم بالاعتداء وتخفي هويتها وراء الاسم المستعار "كريستال"، فتبيّن فيها أنه يستعمل أسلوب التهديد حين لا يذكر تعابير جنسية فاضحة. يُذَكِّر هامل بأن هذا الرجل نفسه شرح، خلال مؤتمر مسجّل في جزيرة "لا ريونيون"، أن "أي علاقة خارج إطار الزواج فعل فاضح"، حتى أنه ذهب إلى حد استنكار أحواض السباحة التي لا تتماشى مع "المعايير الإسلامية". يقول هامل ساخراً: "نسمع منذ 30 سنة أننا سنذهب إلى الجحيم إذا نظرنا إلى الفتيات بلباس السباحة. لكن تثبت هذه الرسائل النصية أنه رجل مهووس وأن أيامه كلها تتمحور حول الجنس! لم تشاهده ماجدة البرنوصي يوماً وهو يصلّي أو يأكل منتجات حلال. من الواضح أنه لا يهتم بالإسلام في أوساطه الخاصة".اليوم، يحتفظ هذا "الرمز الديني" السابق بدعمٍ قوي من أمثال المفكر الإسلامي فرانسوا بورغا الذي شاركه، في العام 1993، مؤتمراً إسلامياً في السودان خلال عهد عمر البشير. لكن خسر رمضان جزءاً كبيراً من داعميه، كما يذكر هامل. لم يَبِع كتابه الأخير Devoir de vérité (واجب الحق) إلا 3 آلاف نسخة. مع ذلك، يظن هامل أن سلالته لن تتبخر في أي وقت قريب. بعد الجد حسن البنا والأب سعيد الذي تلقى الدعم من الخليج لتطوير الإسلام السياسي في أوروبا لكنه غرق بدوره في حياة فاسقة، ها قد ظهرت الآن الابنة مريم التي تستعمل نبرة حاقدة في الصحف وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. يرتكز كتاب إيان هامل على أسلوب قوي ولاذع في سرده لقصة رمضان وفي تحليله العميق لكل من سمح بتضخيم دوره، من صحافيين وتروتسكيين وكاثوليك ومفكرين... تكثر الجهات التي أرادت اعتباره إصلاحياً محترماً وشخصية مثيرة للجدل لكسب الجمهور. يكتب عالِم الاجتماع والعضو السابق في "الإخوان المسلمين"، أوميرو مارونجو بيريا، في مقدمة الكتاب: "يرمز رمضان بحد ذاته إلى العمى السائد وسط آلاف الجهات المسلمة وغير المسلمة والناشطين العلمانيين، وصولاً إلى بعض المؤسسات الأكاديمية واللاعبين السياسيين، في مواجهة استراتيجية كسب الاحترام أو بالأحرى إثبات القيمة الشخصية"!


MISS 3