حمض نوويّ «أنانيّ» في الكروموسوم «إكس»

02 : 00

منذ 50 ألف سنة تقريباً، دخل كروموسوم "إكس" جديد على ما يبدو إلى أجسام البشر المعاصرين بعد فترة قصيرة على مغادرته أفريقيا، وحصل انتقاء قوي على نحو استثنائي لأجزاء من ذلك الكروموسوم لأنّ معظم الناس من أصل أفريقي أقل حداثة ورثوا تلك الأجزاء اليوم.

يشرف كاسبر مونش تيركيلسن من جامعة "آرهوس" في الدنمارك على بحث مرتبط بهذا الموضوع، وهو يظنّ أنّ تلك الأجزاء قد تحتوي على قطعٍ من حمض نووي "أناني" يعزز انتشارها عبر "قتل" الحيوانات المنوية التي تحمل الكروموسومات "واي". هذه الحيوانات المنوية تنتج الذكور إذا قامت بتخصيب بويضة. نتيجةً لذلك، قد يؤدي الحمض النووي الأناني إلى ولادة عدد إضافي من الإناث. لكن لم يتّضح بعد توقيت "قتل" الحيوانات المنوية.

هذه العملية كلّها تزيد نسبة من يرثون الكروموسوم "إكس" الذي يحمل الحمض النووي الأناني ويسهل أن ينتشر وسط الناس على نطاق واسع. إنه مثال على "المحرك الانتصافي"، وهو نوع من محرّكات الجينات.

يوضح تيركيلسن: "لسببٍ ما، يتردّد الكثيرون في اعتبار المحرك الانتصافي جزءاً من عمليات البشر. لكننا نرصد هذه المحرّكات في جميع الكائنات التي ندرسها عن كثب".

حلّل تيركيلســـــن وفريقه كروموسومات "إكس" مأخوذة من رجال، استناداً إلى قاعدة بيانات لجينومات من أنحاء العالم. فاكتشفوا أن الناس من أصل أفريقي قديم يحملون تنوّعاً متساوياً في جميع كروموسومات "إكس"، ما يعني أنّ حمضهم النووي هو خليط من المواد الجينية المشتقة من أسلاف مختلفين.

لكن في المجموعة التي تفتقر إلى أصل أفريقي حديث، تشمل مناطق معينة عشرات آلاف الأحرف الطويلة وغير المتنوعة في الحمض النووي، ما يعني أنّ كل منطقة تشتق من سَلَف واحد. رُصِدت خمس مناطق منها لدى أكثر من 75% من الأشخاص في الفئة المنحدرة من أصل أفريقي غير حديث.




يبدو أن مناطق الكروموسوم "إكس" موجودة أيضاً في جينوم "الأوستيشيم"، وهو إنسان معاصر عاش في المساحة المعروفة اليوم باسم سيبيريا منذ 45 ألف سنة.

اكتشف الباحثون أيضاً أن تلك المناطق نقلت أجزاء من الحمض النووي الخاص بإنسان "نياندرتال"، وقد وصلت إلى الجماعة التي ينتمي إليها إنسان "أوستيشيم" قبل 10 آلاف سنة من ولادته، ما يعني أن هذه المناطق انتشرت منذ فترة تتراوح بين 55 و45 ألف سنة.

يظن تيركيلسن أن مصدر تلك المناطق هو كروموسوم "إكس" الذي ظهر لدى أحد شعوب شرق آسيا. ربما نشأت هذه المجموعة لاحقاً مع أسلاف إنسان "أوستيشيم" في تلك الفترة.

انتشرت المناطق بهذه السرعة على الأرجح نتيجة غياب الآليات الدفاعية على الكروموسومات "واي" لدى إنسان "أوستيشيم". تنتج المحركات الانتصافية معركة تطوّرية بين الجنسَين، أو بين الكروموسومات الجنسية على وجه التحديد.

تنقسم الخلايا التي تنتج الحيوانات المنوية خلال عملية "الانقسام الاختزالي"، ما يعني أن نصف الحيوانات المنوية يحمل الكروموسوم "إكس" بينما يحمل النصف الآخر الكروموسوم "واي" في المرحلة اللاحقة. لكن قد تعيق المتغيرات الجينية هذه العملية وتؤدي إلى ولادة عدد أكبر أو أصغر من الفتيان أو الفتيات. بعبارة أخرى، يظهر المحرك الانتصافي لأن الكروموسومات "إكس" أو "واي" تفضّل صمودها بكل أنانية، حتى لو كانت تلك المتغيرات تطرح خطورة على الناس ككلّ.

تستطيع الكروموسومات "إكس" و"واي" تطوير آليات للتصدي لآثار المحرّكات الانتصافية على الكروموسومات المنافِسة، ما يؤدي إلى ولادة عدد أكثر توازناً من الصبيان والبنات مع مرور الوقت، بما يشبه الوضع الراهن وسط البشر المعاصرين. لكن حين يصل كروموسوم مزوّد بمحرك انتصافي قوي إلى جماعة جديدة من الناس ولا يواجه أي مقاومة، يسهل أن ينتشر ذلك الكروموسوم سريعاً.

يوضح تيركيلسن أن هذه الفكرة تبقى مجرّد فرضية، إذ لا يكشف بحثه إلا ظاهرة مربكة ومثيرة للاهتمام.

تقول سارة زاندرس من "معهد ستاورز للأبحاث الطبية" في ميسوري: "تبدو فرضية المحرك الانتصافي منطقية بشكل عام. ينتج المحرك هذا النوع من البصمات الجارفة فعلاً".

سبق ورصد العلماء مجموعة من الآليات التي تستطيع إنتاج محرّك انتصافي لدى البشر، وترتبط آلية واحدة منها على الأقل بعقم الذكور.

برأي تيركيلسن، يُفترض أن تحلل الدراسات المستقبلية مدى ارتباط مناطق الكروموسوم "إكس" التي رصدها الباحثون بعقم الذكور لجمع أدلة إضافية على وجود محرك انتصافي في تلك المناطق.


MISS 3