مجيد مطر

الميثاقية كشعار غبّ الطلب!

23 كانون الثاني 2023

02 : 00

في الوقت الذي تتوسّع فيه دائرة الدول الديمقراطية في العالم، التي تحكم وتدير شؤونها، وفق قاعدة الحكم البسيطة، أي أنّ الأكثرية تحكم والأقلية تعارض، مع ضوابط تقرّها دساتير تلك البلاد انطلاقاً من خصوصياتها وقيم شعوبها، نجد في لبنان أنّ مصطلح «الميثاقية» أخذ ينمو في سياق واتجاهات أصبحت معها هذه «الميثاقية» عبارة مرادفة لنهج التعطيل، تستحضرها الطبقة السياسية كشعارٍ غب الطلب، لاستعماله في لعبة المصالح والتغطية على أوساخ السياسة.

والميثاقية نسبة إلى الميثاق أو العهد، المقصود بها العودة إلى الميثاق غير المكتوب بين الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح اللذين صاغا تحالفاً ميثاقياً قوامه تسوية تؤسس لخصوصية لبنانية بنهائية كيانه، وببعد عربي، لا يجنح صوب شعارات وحدوية كبرى، ولا يشكل تهديداً للدول العربية، مع الحفاظ على انفتاحه على الشرق والغرب، من دون تنازل الدولة عن دورها وفرض هيبتها في الداخل، وصيانة سيادتها تجاه الخارج.

لاحقاً أعطيت تلك العبارة بعداً جذرياً بجوهر سياسي مغاير لمضمونه الحقيقي. فتم تحويلها لميثاقية أحزاب السلطة، والاعتراف بحقوق الافراد، لا تتم الّا من خلال تلك الأحزاب، فكل من يخرج من عباءة الزعيم يخرج من امتيازاتها، ويحكم على نفسه بنفسه بالالغاء والتهميش.

فلا مبدأ الكفاءة، ولا النزاهة ولا الانتماء الوطني لها محل وتأثير في سعي المواطن الفرد لكي يتبوأ الوظائف الحكومية وغيرها من دون رضى الهيمنات الطائفية والحزبية. في حين أنّ «الميثاقية» شديدة الارتباط بالتنوع الطائفي أو السياسي أو العرقي، حيث تُحفظ حقوق تلك الجماعات في النظام والدولة، من دون أن تهيمن بالضرورة على حقوق الأفراد والمجتمع في رسم اتجاهات تطوره السياسي والثقافي والاقتصادي.

من باب تحصيل الحاصل أنّ الدولة تشكل البوتقة الحافظة للتنوع بما هو فعل حضاري، ترشده لكي لا يتحوّل إلى سلوك رجعي يصب في خانة الانقسام والشرذمة، إذ يستوى هذا الواقع في الدول المركزية أو المركبة على حدٍ سواء.

وباسم الميثاقية وحقوق الطوائف أُهدرت حقوق الدولة، وأصيبت سيادتها في مقتل وأدخل لبنان في مرحلة غير مسبوقة من الترهل والعجز وحياته الدستورية، وصارت تشوبها عيوب وتشوهات بنيوية ناتجة عن سلوك الطبقة السياسية وليس النظام بحد ذاته، لأنّ رجل الدولة قد يصوب ثغرات الدستور بسلوكه الديمقراطي الذي يخضع فيه لدولة المؤسسات والقانون، لتكريس التفعيل وليس التعطيل.

تظهر التجارب، أنّ «الميثاقية» في لبنان تختلف بمعناها بحسب قائلها، فهي تعني لفريق أن يتضمن البيان الوزاري على الدوام عبارة «جيش، شعب ومقاومة»، وهي بالنسبة لفريق آخر تعني الاحتفاظ بحقيبة وزارية بعينها، ولفريق آخر تمثيلاً حصرياً لطائفته الخ...

وفي غفلة الصراعات على المصالح، والنكايات، صُدمنا بخبر حرمان لبنان من التصويت في الأمم المتحدة على خلفية عدم قيام السلطة بدفع المستحقات المتوجبة عليها، لأنّ فقدان حقنا في التصويت يشكل شهادة دولية في رعونة الأداء والخفة في تحمل المسؤولية تجاه الشعب اللبناني أولاً والمجتمع الدولي ثانياً. وبغض النظر عن المبررات تبقى المسؤولية قائمة بدءاً من وزارة الخارجية وصولاً إلى كل الحكومة، هذا من دون تجاهل دور مجلس النواب المنوط به مراقبة أداء الحكومة.

إنّ الانقسام السياسي الراهن فاق كل الحدود، فلا قدرة على انتخاب رئيس للجمهورية، والعدالة ممنوعة في لبنان، والافلات من العقاب على المستويات كافة يفرض نفسه على استقلالية السلطة القضائية ويصادر دورها. فكثير من الجرائم لم تكشف وهذا في حد ذاته انتقاص من حقوق الضحايا وذويهم، ومن غير المنطقي تصور دولة عاجزة عن احقاق الحق.

الطبقة السياسية اليوم مدانة أمام الشعب اللبناني، وهي في قفص الاتهام ولا يمكنها أن تشكل الحل طالما هي جزء من الأزمة.


MISS 3