جاد حداد

الكاتبة رانيا زغير: حلمي إنشاء مزرعة أرانب وأنا مع إلغاء وزارتَيْ الثقافة والإعلام

3 شباط 2020

10 : 47

لا تتوقّع حواراً رتيباً اسئلة بأجوبة تقليدية. معها تدخل عالماً لم تعهده سابقاً تماماً كما أليس في بلاد الغرائب. تفاجئك بأجوبتها وأفكارها غير الاعتيادية فتعرف فوراً لمَ تربّعت على عرض مملكة كتب الأطفال. هي متخصصة في علم النفس التربوي من الجامعة الأميركية في بيروت وصنّفتها مجلّة "الايكونوميست" من أكثر المؤلفين المقروئين في العام 2017. أسّست دار "الخياط الصغير" الذي يعنى بنشر كتب الأطفال المصورة في العام 2007، وحازت جائزة مهرجان برلين الدولي للأدب العام 2015 عن فئة الكتب الخيالية لكتابها "حلتبيس حلتبيس"، وجائزة مؤسسة "أنا لين" الأورو متوسطية للحوار بين الثقافات العام 2011 وجائزة السبيل (أصدقاء المكتبات العامة) سنة 2009 عن أفضل كتاب بعنوان "سيسي ملاقط". هي كذلك مؤسسة ومنظمة المؤتمر الدولي لأدب الطفل "قصتنا قصة". "نداء الوطن" التقت الكاتبة المتألقة رانيا زغير فدار هذا الحديث المشوّق حول أدب الأطفال وشؤون ثقافية مختلفة.


أخبرينا عن مشاركتك المقبلة في الدورة الثانية عشرة لمهرجان طيران الإمارات للآداب في دبي من الرابع الى التاسع من شباط 2020؟


دعوتي جاءت متأخّرة في الحقيقة. أمضيت 22 سنة في عالم تأليف كتب الأطفال و11 سنة كناشرة للكتب المصورة. لعلّ السبب هو الجدل الذي تثيره أعمالي، فالمهرجانات العربية تتجنّب عادة هذا النوع من المواضيع ولكنها اليوم أكثر استعداداً لتقبّلها.

ما المثير للجدل في قصصك؟


اللغة التي استخدمها، والمواضيع غير التقليدية، كالحب والجنسانية في "حلتبيس حلتبيس"، أو الحرب والطائفية في "لماذا أمطرت السماء كوسى وورق عنب؟"، أو التحرّر من قيود المجتمع في "من لحس قرن البوظة؟". كان المنظّم العربي يخاف عموماً من المواضيع التي تفتح باباً للاسئلة، ما أنتج أدباً رديئاً وقصصي ليست للصغار فحسب بل 30% من زبائني من الراشدين وهذا دليلٌ على أنّ الكتب المصوّرة لا تقتصر على فئةٍ دون سواها.


كيف كانت بداياتك في عالم قصص الأطفال؟


كنت أحبّ كلّ ما يمت باللغة منذ نعومة أظفاري، فأنا أعشق التخيّل وترعرت في كنف عائلة شبّ أفرادها على حبّ الفكاهة، فأمي وأبي وأخي وأخوالي كلّهم يجيدون إطلاق النكات، وإن تصفحتم قصصي شعرتم بنكهة الدعابة فوراً. لم أجد فوراً من يوجّهني أو ينمّي موهبتي خصوصاً أننا كنا في زمن الحرب. كانت لأمي صديقة تعمل في "دار المعلمين"، وكانوا يفكرون في تأليف أغنية مع "اليونيسف" عن نظافة الأسنان. طلبت مني إعطاءها أفكاراً عن الموضوع وكنت آنذاك في السابعة فكتبت لها الأغنية بأكملها وقرأتها أمام الأساتذة ومسؤولي "اليونيسف"، الذين أسعدوا بي وأهدوني دفتر تلوين فشعرت وكأنّني في حفل توزيع لجوائز "الأوسكار"، ورحت منذ تلك اللحظة أتخيّل نفسي كاتبة.

ومتى أصبحت كاتبةً فعلاً؟

أنا خريجة الجامعة الأميركية في علم النفس التربوي، وحين كنت أدرس لنيل إجازة في التعليم، كانت عندنا حصة عن أدب الاطفال وكان يفترض في نهايتها أن نؤلف كتاباً ففعلت ونُشر، وللغرابة أن الكتاب كان أيضاً عن الاسنان وحمل عنوان "عدنان وحكيم الاسنان"، وكرّت السبحة من كتاب الى آخـر حتى أصبح عندي دار نشر سميتها "الخياط الصغير".لماذا هذا الاسم؟أولاً لأنه قريب من اسم عائلتي "صغير" و"زغير"، ثم لأنّ مفردات الخياطة مثل "عقدة" و"خامة" تستخدم في التأليف، والأولاد يتماهون مع التسميات الملموسة فهم يستسيغون مفرداتٍ تشبه عالمهم المحسوس.

صعوبات ومعارض


ما هي الصعوبات التي تواجهينها خصوصاً مع الوضع الاقتصادي المتردّي؟


من لا يعمل في الكتب يخال أنّها تباع في المكتبات أو المعارض فحسب، وهذا تفكير خاطئ فالكتب تشارك في مناقصات أو تُترجم. "من لحس قرن البوظة" تُرجِم الى 20 لغة، وما أتقاضاه من حقوق التأليف هنا لا يستهان به، فنحن لا نتحدّث عن ألف أو ألفي نسخة بل ننطلق من خمسين ألفاً.

كيف فتحت لك دور النشر الأجنبية أبوابها؟


هناك ثلاثة معارض عالمية: فرانكفورت، معرض بولونيا لأدب الطفل، أو صالون باريس للكتاب. كنت أقصد هذه المعارض مصطحبة معي أعمالي لأعرضها على دور نشر أعمالها تشبهني، إذا أحبوا عملي أبرمنا عقداً وإلا بحثت عن دار أخرى. أعرف كيف أفتح شهية الناس على كتبي وأجيد التكلم عنها بشكلٍ مشوّق.




هل الكتابة للأولاد أصعب من الكتابة للراشدين؟


طبعاً! بسبب غياب المخزون اللغوي أولاً. ثم الولد قد يقرأ كتاباً واحداً أكثر من 50 مرة!


أتفكرين بنوعٍ آخر من الكتابة بعيداً من عالم الأطفال؟

لم أفكر بذلك ولكن قد أفعل ذات يوم.

هل طرقت يوماً باب وزارة التربية أو الثقافة للتعاون؟

أبداً. ثم هم لا يحبون أمثالي من الطبيعيين أو كما نقول باللبناني "العايز والمستغني". يحبون من يتزلّف لهم ويقف على أبوابهم بوضاعة. أنا مع حلّ وزارتي الثقافة والاعلام وليس مع إعادة تفعيلهما مثلاً، فعبثاً ننفخ الروح في جثةٍ جوفاء. وزارة الثقافة مثلاً تضم 300 موظف؟ ماذا يفعلون؟ لا شيء! الوزارة أساساً لم تنل قدراً من الاحترام من الحكومة بشكلٍ يجنّب دمجها المضحك مع الزراعة!

ما رأيك بمعارض الكتب المحلية؟


معرض الكتاب العربي اللبناني من أقدم المعارض العربية ولعلّه من أسوأها من حيث الشكل والتنظيم. كأننا في "سوق الاحد"، مع فارق أنّ في الأخيرة قد تقعين على أشياء جميلة. رائحة الكافيتريا مقزّزة، ولا ننسى كذلك طغيان الطابع الديني على الثقافي، فضلاً عن غياب خريطة للمعرض وبرنامج خاص به. وهذه السنة ألغوا المعرض بدل البحث عن صيغةٍ بديلة.

أنت مع إلغائه؟

أنا مع تغيير الجهة التي تنظمه أو حتى تغيير هيكليته. فلنبتكر شيئاً يشبه اللبنانيين أكثر برؤيةٍ حديثة ومتقدّمة. نحن بحاجة الى روحٍ جديدة قد يكون مهرجاناً أو سوقاً للكتب ولكن المعرض الحالي جثة متحلّلة.

هل فكرتِ بفتح مكتبةٍ خاصة بك؟


أفكّر بالأمر مراراً ولكنّي لا أحب تكرار الموجود. كان عندنا مكتبة "سفينة نوح" لليلى بساط ولكنّها أغلقت أبوابها، والمكتبة الوطنية تغلق أبوابها عند الساعة الواحدة!

ما السبب؟

لبنان يستطيع أن يسحقك. أن يطفئك. لا أعرف ما هو السبب الحقيقي لعدم رواج هذا النوع من المغامرات ولكن البلد صعب، "موجو عالي" وقد يلقي بك بضربةٍ واحدة أمتاراً الى الوراء.


هل يقرأ أولادك كتبك؟

ليس بالضرورة (تضحك)،"الكنيسة القريبة ما بتشفي". وأحياناً يُحضرون معهم كتباً مملة. ولكنّي طبعاً أحترم خياراتهم وأحرص على اصطحابهم معي الى العمل أو الى المخيمات، حيث أنشط في قراءة الكتب للأطفال سواء مع النازحين أو الفلسطينيين.

هل الزواج بكاتبة مغامرة؟ هل العلاقة معها صعبة بالمطلق؟

عموماً العلاقات الزوجية صعبة، ومع كاتبة ربما أكثر من غيرها، كونها تعيش في فقاعتها الخاصة، وبجاذبية خاصة بها، وقد تكون نظرتها الى الأمور مختلفة. بالنسبة إليّ، شخصيتي مركبة ومعقدة وليست سهلة لذا طبعاً هي مغامرة.


هل من حلمٍ ما زال يراودك؟


أن أنشئ مزرعة أرانب نلعب فيها. لا أعتقد أنّني سأحققه لأنّ كل الناس ضدّي. ربيت 3 أرانب في الصيف الماضي وأحببت التجربة وعندي كلب وهرة أيضاً. المسافة بين الحلم والواقع لديّ ضيقة جداً لأنني ألاحق أحلامي بمثابرة وإرادة صلبة وغالباً ما أحققها.

مَن مثالك الأعلى في عالم أدب الأطفال؟

مِن العرب لا مثال أعلى لديّ إطلاقاً. أما من الأجانب فمن الراحلين شيل سيلفرستاين، دكتور سوس، ومن المعاصرين مو يليامز. وأنا أتابع الحركة العالمية لأنني أسعى دوماً الى تطوير نفسي وقدراتي، وأطمح الى تحويل قصصي الى أفلام ولي تجربة صغيرة إذ حُوّل "من لحس قرن البوظة" الى فيلم "أنيمايشن"، عُرض في شبكة "الـسي بي بيز" للأطفال التابعة للـBBC البريطانية.

هل تؤمنين بالجوائز؟

لا. بالنسبة إليّ ولّى هذا الزمن، ثم إن الناس ملّت من "السوبرستار" بل تبحث عن الناس العاديين مثلي ومثلك وتجاربهم في الحياة.



ثورة وتظاهرات

ما رأيك بثورة 17 تشرين الأول؟


أنا معها طبعاً، حتى لو كانت عنيفة، لا بل يجب أن تكون أعنف، لأنّك تتعاطى مع طبقة جليد سميكة لا تستطيع اختراقها إلا "بالكومبريسور" كي تتفتت.

متفائلة؟


أحياناً. آمل بالانسان لأنّه ميّال الى الخير. السؤال يثير فيّ مشاعر مختلطة.

هل أبكاك مشهد "التحطيم" في وسط بيروت؟

لا. فلنبكِ مرج بسري. لن أبكي على حجر "شانيل" تستبدله شركة التأمين بسهولة في اليوم التالي. بلدنا مريض وبحاجة الى علاج.

تحبّذين مشاركة الأولاد في التظاهرات؟


لمَ لا؟ أخذت ابني الى جل الديب وشرحت له أننا نسعى لتغيير بلدنا نحو الأفضل.

MISS 3