قلبُك... كيف تهتمّ به؟

15 : 17

في العام 2012، حين كتب طبيب القلب ستيفن سيناترا كتاب The Great Cholesterol Myth (خرافة الكولسترول الكبرى)، كان الباحثون المشاركون فيه متأكدين من أن اختبار الكولسترول "الجيد" و"السيئ" أصبح بالياً وأن اقتناعنا بأهميته لم يعد مبرراً. كان الكولسترول "السيئ" مؤشراً رديئاً على أمراض القلب، حتى أن اسمه غير دقيق، ولم يعد ركيزة كافية لاختيار دواء فعال. لكن لم يعرف العلماء حينها ما يجب أن يبحثوا عنه. اختلف الوضع الآن واتضح أن التركيز يجب أن يصبّ على ظاهرة مقاومة الأنسولين!

هل تكون مقاومة الأنسولين أول مؤشر على مرض القلب؟


مقاومة الأنسولين تؤثر على أمراض القلب بقدر تأثير التدخين على أمراض الرئة!لا تسبب مقاومة الأنسولين جميع حالات أمراض القلب، مثلما لا يُسبب التدخين جميع حالات سرطان الرئة. لكنها تواكب مرض القلب وتنذر بنشوئه أكثر من أي عامل متغيّر آخر خضع للدراسة حتى الآن.

حتى أن هذه الظاهرة تنشأ في مرحلة أبكر، لذا تتفوق بأشواط على الكولسترول "السيئ" كمؤشر تمهيدي للأمراض.

في نسخة جديدة ومُعدّلة من كتاب The Great Cholesterol Myth (يصدر في العام 2021)، نُفصّل بدقة البحث الذي يثبت أن مقاومة الأنسولين تسبق أمراض القلب والأوعية الدموية بدرجة صادمة من التنسيق. هذا الرابط واضح وقابل للإثبات لدرجة أن نعتبر متلازمة مقاومة الأنسولين جزءاً من أسباب أمراض القلب، إذا لم تكن أول سبب لها. لقد بقيت هذه الحقيقة خفية لوقتٍ طويل مع أنها بديهية.

حين تنشأ مقاومة الأنسولين، تختلّ قدرة الجسم على تفكيك الكربوهيدرات بدرجة معينة. تكون هذه الظاهرة معاكسة لحساسية الأنسولين التي تُعتبر حالة أيضية إيجابية، حيث يفكك الجسم الكربوهيدرات بشكلٍ سليم. لتفسير مقاومة الأنسولين إذاً، تقضي أفضل طريقة باستكشاف مسار حساسية الأنسولين لرصد الاضطرابات التي ترافق مقاومة الأنسولين ولفهم أهميتها الكبرى للحفاظ على الصحة.


ما معنى مقاومة الأنسولين؟


لنلقِ نظرة على الأيض غير المتضرر لدى طفل سليم في الثامنة من عمره قبل عصر الإنترنت وحصص اللعب المشتركة. يعود ذلك الطفل إلى منزله من الصف الثالث ويأكل تفاحة، ما يؤدي إلى ارتفاع بسيط في مستوى السكر في دمه، فيتفاعل البنكرياس لديه عبر إطلاق كمية صغيرة من هرمون الأنسولين.

تقضي واحدة من مهام الأنسولين الأساسية بجمع فائض السكر في مجرى الدم وإيصاله إلى الخلايا العضلية حيث يمكن "حرقها" لإنتاج الطاقة. إنها عملية مفيدة وممتازة لطفلٍ في الثامنة من عمره لأنه لا يكف عن التسلق والركض، لذا ترحّب خلاياه العضلية حتماً بتلك الطاقة كلها. في النهاية، تستنزف عضلاته السكر الموجود في التفاحة ويصبح مستوى السكر في دمه أقل من المعدل الطبيعي بقليل، فيشعر الطفل بالجوع. ثم يعود إلى المنزل ويتناول عشاءً صحياً ويسير كل شيء على ما يرام. انتهت القصة!

في هذه الحالة، يعمل الأيض الحساس تجاه الأنسولين بالشكل المطلوب لدى ذلك الفتى الافتراضي. لكن لم يعد الوضع كذلك لدى نصف الناس في هذا العصر على الأقل.لنلقِ نظرة على ذلك الطفل نفسه بعد مرور 30 سنة. هو يستيقظ في وقت متأخر وتنتشر هرمونات الضغط النفسي في أنحاء جسمه فوراً.

ترسل تلك الهرمونات رسالة إلى دماغه كي يستعد لحالة طارئة متوقعة (تخزين الدهون!). يخرج الفتى من الباب مسرعاً ويتوقف في مقهى محلي لشراء قهوة لاتيه بتوابل اليقطين (380 سعرة حرارية، 49 غراماً من السكر) ومافن بالتوت الأزرق قليل الدسم (350 سعرة، 55 غراماً من الكربوهيدرات، 29 غراماً من السكر). نتيجةً لذلك، ترتفع مستويات السكر في دمه بسرعة قياسية. فيرسل البنكرياس إنذاراً خطيراً ويُشغّل أقوى أسلحته وينتج كمية كبيرة من الأنسولين في محاولة يائسة لإخراج ذلك السكر كله من مجرى الدم وإيصاله إلى العضلات. لكن تكمن المشكلة في عدم وصوله إلى الخلايا العضلية.

قد تتساءل تلك العضلات: "لماذا نحتاج إلى ذلك السكر كله؟ "التمرين" الوحيد الذي يقوم به هذا الفتى طوال اليوم هو الضغط على فأرة الكمبيوتر. وحين يعود إلى المنزل، سيجلس على الكنبة ويحرك جهاز التحكم بالتلفزيون. آخر ما نحتاج إليه هو المزيد من الوقود".

لهذا السبب، تبدأ العضلات بمقاومة آثار الأنسولين، فترفض تلقّيه لأنها لا تحتاج إليه وترسله إلى مكان آخر. يضطر الأنسولين حينها للتوجه إلى موقع مختلف: الخلايا الدهنية التي ترحّب بالسكر بكل سرور!

الدهون والالتهابات وسكر الدم


الخلايا الدهنية هي أعضاء من الغدد الصماء وتفرز عدداً هائلاً من المواد الكيماوية الالتهابية. يُعتبر الالتهاب من أبرز أسباب أمراض القلب. وكلما توسعت الخلايا الدهنية، يزيد احتمال أن تتحول إلى مخزون أكثر قوة للالتهابات.

خلال فترة معينة، قد تبقى مستويات السكر في دمك ضمن النطاق الطبيعي، إذ يبذل البنكرياس قصارى جهده لضخ كمية كافية من الأنسولين لمواجهة هذا التدفق الهائل من السكر الغذائي. قد يبقى معدل سكر الدم إذاً "طبيعياً"، لكن ينذر ارتفاع مستويات الأنسولين (قد لا يجري الطبيب أي فحص لاختبارها) باختلال الوضع قريباً. يمكن اعتبار ارتفاع الأنسولين المزمن إنذاراً من الجسم لطلب المساعدة!

في نهاية المطاف، لن يتمكن الأنسولين من إبقاء سكر الدم ضمن النطاق "الطبيعي"، فيبدأ معدل السكر بالارتفاع. وبعد ارتفاع هذا المعدل (لأن كمية السكر كلها لا تجد مكاناً تتوجه إليه)، ستزيد كمية الأنسولين أيضاً، وسرعان ما يعرف المريض بإصابته بمرض السكري الشامل.

بعبارة أخرى، تكون متلازمة مقاومة الأنسولين مرادفة لمرحلة "ما قبل السكري"، وتنذر هذه الحالة بمرحلة ما قبل مرض القلب. وفق "جمعية القلب الأميركية"، يموت 84% من مرضى السكري على الأقل بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية، لكن لا تعكس هذه النسبة الأرقام الحقيقية على الأرجح لأن 33% من مرضى السكري على الأقل لا يعرفون بمرضهم.

يقول روبرت لوستيغ، طبيب غدد صماء للأطفال وأستاذ في قسم أمراض الغدد الصماء في جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو: "تكشف أدلة متزايدة أن مقاومة الأنسولين هي أهم عامل ينذر بأمراض القلب والأوعية الدموية والنوع الثاني من السكري".

اخضع للاختبارات اللازمة


يمكنك أن تفحص مقاومة الأنسولين لديك بطرقٍ متعددة الآن، استناداً إلى الأرقام الواردة في فحص الدم العادي بكل بساطة.

طريقة أولى: يقضي مقياس بديل وفاعل باحتساب مستوى الشحوم الثلاثية نسبةً إلى الكولسترول الجيد: اقسم المعدل الأول على الثاني (إذا كان مستوى الشحوم الثلاثية لديك يبلغ 150 والكولسترول الجيد 50، سيبلغ معدلك 3). يكون معدل 2 (أو أقل) ممتازاً ويشير إلى تراجع احتمال إصابتك بمقاومة الأنسولين وانحسار مخاطر النوبات القلبية. لكن يشير معدل 5 إلى ضرورة التنبه إلى حميتك الغذائية.

طريقة ثانية: قف على بُعد بضعة أقدام من جدار ثم امشِ نحوه باستقامة. إذا ارتطم بطنك بالجدار قبل أنفك، يعني ذلك أنك مصاب بمشكلة مقاومة الأنسولين.طريقة ثالثة: اطلب الخضوع لاختبار غير مكلف اسمه فحص الأنسولين على الريق. خذ تلك النتيجة مع معدل الغلوكوز على الريق (يمكنك إيجاده في أي فحص دم يطلبه الطبيب) واكتب الرقمَين على حاسبة إلكترونية لتقييم نموذج التوازن (HOMA-2). تكشف هذه الأداة عن معدل مقاومة الأنسولين لديك، مثلما تُبلِغك حاسبة أخرى بمؤشر كتلة الجسم بناءً على طولك ووزنك.

طريقة مبتكرة أخيرة: اختبار مقاومة البروتين الدهني للأنسولين (LP-IR) من إنتاج LabCorp. اطلب من طبيبك أن يطلبه لك.



6 طرق جديدة للاعتناء بقلبك


1 التوت الهندي (أملا) يفيد هذا التوت الغني بالفيتامين C القلب، وفق بحث جديد نشرته مجلة "الطب التكميلي والبديل". استعملت الدراسة الدواء الوهمي وشملت 98 مشاركاً يحملون مؤشرات على ارتفاع الدهون لديهم، منها الشحوم الثلاثية، والدهون الفوسفورية، و/أو الكولسترول. من أصل 49 شخصاً أخذوا خلاصة التوت الهندي الكاملة (500 ملغ مرتين يومياً)، سجّل 73% تراجعاً في مستويات الكولسترول الإجمالي. كذلك، تراجع معدل الشحوم الثلاثية لدى 44 مشاركاً في هذه المجموعة من أصل 49.





2 التأمل التجاوزي تأمّل بالفكرة التالية: وفق دراسة نشرتها «مجلة أمراض القلب النووية»، زاد تدفق الدم نحو القلب بأكثر من 20% لدى مصابين بمرض القلب التاجي بعدما أضافوا التأمل التجاوزي إلى برنامج إعادة تأهيل قلوبهم. إنه نوع خاص ومفيد من التأمل.



3 التوت الأزرق إليك خبر سار عن التوت: يسهم تناول كوب من التوت الأزرق يومياً في تخفيض عوامل الخطر المُسببة لأمراض القلب بنسبة 15%. جرت الدراسة التي توصلت إلى هذا الاستنتاج في جامعة «إيست أنغليا»، بالتعاون مع باحثين من جامعة «هارفارد» ومن أنحاء بريطانيا. كان لافتاً ألا يكتشف الباحثون أي منفعة عند تناول حصة أصغر حجماً يومياً (نصف كوب من التوت مثلاً).



4 خلاصة الثوم المُعَتّق إذا كنت مصاباً بمرض في القلب أو بالنوع الثاني من السكري، قد تلاحظ أن جروحك لا تُشفى بالسرعة اللازمة. تتعلق المشكلة بضعف نظام الأوعية الدقيقة الذي يحمل الدم من الأوعية الدموية إلى الأنسجة، ما يؤدي إلى الحد من تدفق الدم إلى موقع الجروح. يبدو أن الثوم يستطيع إنقاذ الوضع! وفق بحث جديد أجراه مستشفى «سكان» الجامعي التابع لجامعة «لوند» في السويد، قد تعزز خلاصة الثوم الكيولي المُعتَّق دوران الأوعية الدقيقة لدى المرضى الأكثر عرضة للخطر.



5 تنظيف الأسنان قد يسمح تنظيف الأسنان بانتظام بتجنب الرجفان الأذيني! رصدت دراسة واردة في «المجلة الأوروبية لطب القلب الوقائي» انخفاضاً في مخاطر الرجفان الأذيني بنسبة 10% وتراجعاً في احتمال التعرض لقصور القلب بنسبة 12% لدى من ينظفون أسنانهم ثلاث مرات أو أكثر يومياً. يقول المشرف الرئيس على الدراسة، تاي جين سونغ، من جامعة «إيها ومنز» في سيول، كوريا: «قد تؤدي قلة نظافة الفم إلى تجرثم الدم موقتاً ونشوء الالتهابات. إنه عامل مؤثر للإصابة بالرجفان الأذيني وقصور القلب».



6 الفلفل الحار الفلفل الحار مفيد للقلب! وفق دراسة إيطالية واسعة نشرتها «مجلة الكلية الأميركية لأمراض القلب»، يتراجع خطر الوفاة بسبب النوبات القلبية لدى من يأكلون بانتظام كمية إضافية من الفلفل الحار بنسبة مدهشة تصل إلى 40%. كذلك، ينخفض احتمال التعرض لجلطة دماغية بنسبة 50% تقريباً لدى محبي الفلفل الحار.




كيف تتعامل مع المشكلة؟


إذا اكتشفتَ إصابتك بمقاومة الأنسولين في مرحلة مبكرة، يمكنك أن تعكسها من دون الحاجة إلى أية أدوية. هذه الظاهرة قابلة للتغيير عن طريق الحمية الغذائية، لا سيما تلك التي تكون قليلة الكربوهيدرات وكثيرة الدهون. يكفي أن تجد خطة غذائية تناسب حالتك وتلتزم بها.يستفيد قلبك حين تُركّز على تخفيف مقاومة الأنسولين في جسمك بدل السعي إلى تخفيض معدل الكولسترول السيئ. تكشف أدلة متزايدة وتجارب عيادية ناشئة أن مقاومة الأنسولين تظهر قبل مؤشرات أخرى على أمراض القلب بكثير، بما في ذلك ارتفاع سكر الدم، والهيموغلوبين السكري، والشحوم الثلاثية، واضطراب دهون الدم. كن حذراً إذاً!


MISS 3