حسان الزين

حين غابت السخرية عن الأدب

25 شباط 2023

02 : 00

السخرية من أجمل وأعمق ما في الأدب اللبناني.

لم تكن بدايتها مع جبران خليل جبران وميخائيل نعيمه وتوفيق يوسف عواد ويوسف غصوب، وأترابهم، لكن هؤلاء أسّسوا لها. يمكن قول ذلك. ثورية جبران ومثاليته؛ أخلاقية نعيمه وجدّيته في تناول المجتمع والإنسان اللبنانيين؛ آلام الواقعية الإنسانية لدى عواد؛ النقد المأسوي الذي وجّهه غصوب إلى أحوال لبنان وأهواله... كل هذا، إضافة إلى الواقع وتناقضاته، ومساحة الحرية النسبية في لبنان بعد الاستقلال، فتح الباب للسخرية في الأدب. هؤلاء كافة حملت نصوصهم، بحكم نظراتهم للأدب "الرفيع" والأديب "الرصين"، بذور السخرية.

الوضع تغيّر مع مارون عبود وسعيد تقي الدين. هذان الأديبان كانا ساخرين بلا خجل وبلا قفازات، وإن بقيا يقيمان وزناً للأدب وللأديب وصورته. وحدّةُ الياس أبو شبكة وضعته في صميم السخرية. ديوانه "أفاعي الفردوس"، مثلاً، يحتشد بالسخرية من نساء عرفهنّ، مع مبالغة في التعميم.

ارتبكت السخرية في الأدب اللبناني وبدأت تتراجع، ربّما، مع توالي انفجار الأزمات. السخرية التي وجدت مناخاً مؤاتياً في السنوات الأولى للجمهورية اللبنانية بعد الاستقلال، بدأت تنكمش مع هول الأسئلة والتحديات التي طرحتها أزمة 1958، وما بدأ يتكشّف بعدها من تفاوت اقتصادي- اجتماعي (بين المناطق والطبقات) وافتراق سياسي وعقائدي (بين عروبيين ولبنانويين، ويسار ويمين). كأن السخرية التي تبدو ربيبة الاستقرار "تخجل" في ظل الأزمات. وضحكة نجيب حنكش التي دوّنها في كتب وصدح بها على الشاشة الصغيرة، خفتت تحت صخب القضايا الكبرى وقرقعة السلاح والأزمة المالية مع إعلان إفلاس بنك إنترا (1966). وكذلك الأمر مع شوشو الذي قتل رصاص الحرب مسرحه.

كذلك، حركة مجلة "شعر" لم تكن ساخرة. الأسئلة الوجودية لروّادها كانت الأقوى. التمرّد الفردي كان أشرس من الثورة الجماعية. وعَقب ذلك، حجبت العبثيةُ السخريةَ.

بالتوازي، حمل الأديب سهيل إدريس الوجودية من باريس إلى بيروت. ولم يكن ذلك نزعة فلسفية لدى الكاتب فحسب، بل إن رواياته وشخصيّاته مشدودة للأسئلة الوجودية الكبرى التي لا مزاح فيها.

وفيما كتب محمد عيتاني بعقل الواقعية الاشتراكية وقلبها، انشغل يوسف حبشي الأشقر برصد تحوّلات المجتمع والفرد اللبنانيين وجذورهما وتصدّعاتهما ومآلاتهما.

وإبّان الحرب وبعدها: الأدب أشبه بشخص ناجٍ من هول الفاجعة. وبين حين وآخر، سخر محمد العبد الله بكثير من العبث، وفعل حسن العبد الله بقليل من الشعر. وعلى رغم ذلك، ونص من هنا ومسرحية من هناك، يمكن القول بألم إن الأدب اللبناني أهمل السخرية ونسي الضحك.

إنها لسخرية ألا يكون في الحال التي نعيشها سخرية. غياب السخرية مرٌّ أكثر من السخرية نفسها.


MISS 3