أكرم حمدان

"الأكثرية النيابية": الإنتخابات المبكرة غير قابلة للتنفيذ

18 شباط 2020

03 : 30

الكرة في ملعب ثوار 17 تشرين (فضل عيتاني)

بمعزل عن الخيارات المتاحة دستورياً لإجراء الانتخابات النيابية المبكرة، وبمعزل عن أن هذا الخيار يبقى من أولويات الحلول للأزمات في البلدان والدول الديموقراطية التي تتعرض للأزمات التي ربما تكون أقل خطورة ووطأة من الأزمة التي يمر بها لبنان، فإن القراءة السريعة والمتابعة لمواقف الكتل النيابية والقوى السياسية في مجلس النواب، توحي لا بل ربما تؤكد أن الغالبية الساحقة ليست مع هذا التوجه وبعض المواقف المعلنة بهذا الصدد قد لا تتجاوز الشعارات والمواقف الإعلامية وفي أحسن الأحوال محاولة لإمتصاص نقمة الشارع والإنتفاضة الشعبية، لأن هناك أكثر من سبب ومعضلة تمنع التوافق على هذا التوجه أبرزها طبيعة قانون الإنتخاب.

فحزب "الكتائب" يؤيد الإنتخابات المبكرة ربما لأنه كان من أكبر الخاسرين في الإنتخابات الأخيرة، ويراهن على تغير في المزاج الشعبي لرفع عدد أعضاء كتلته، وهو يفضل القانون الذي يعتمد الدوائر الصغرى. وحزب "القوات اللبنانية" الذي أعلن من خلال كلمة النائبة ستريدا جعجع في جلسة الثقة بالحكومة أنه مع الإنتخابات المبكرة وكرر هذا الموقف أكثر من نائب ومسؤول في الحزب، إشترط أن تكون هذه الانتخابات وفق القانون الساري المفعول والذي جرت على أساسه إنتخابات أيار 2018.

أما "التيار الوطني الحر" فهو لا يرغب بإضاعة ما تبقى من سنوات العهد الرئاسي، سيما وأن تحالفات إنتخابات نهاية العهد تختلف عن تحالف إنتخابات بدايته ونتائجها، وهو طبعا من المتمسكين بالقانون القائم حالياً. و"تيار المستقبل" الذي كان أول الخاسرين في الإنتخابات الأخيرة، يبدو غير متحمس للإنتخابات المبكرة رغم إعلان الرئيس سعد الحريري وأكثر من نائب أو مسؤول في التيار رغبتهم بهذا التوجه، لأن الأولوية لديه إعادة ترتيب وترميم البيت الداخلي. أما "الثنائي الشيعي" فليس من المحبذين لإنتخابات جديدة، مع الإشارة إلى أن كلا من "حزب الله" و"حركة أمل" كانا قد حصلا على الحد الأقصى من مقاعد النواب الشيعة، إلى جانب أن هذا المطلب ربما يعتبرانه إستهدافاً لهما وللأكثرية التي يعتبران هما أساسها، وبالتالي فإن أي انتخابات جديدة ربما تخسرهما من أعضاء كتلتيهما وليس العكس. والحزب "التقدمي الإشتراكي" مع إنتخابات نيابية ورئاسية مبكرة ومع قانون جديد للإنتخابات. وكتلة "الوسط المستقل " التي يرأسها الرئيس نجيب ميقاتي تقدمت بإقتراح قانون إنتخابي جديد مع تقصير ولاية المجلس الحالي وإجراء انتخابات مبكرة.

أما هيئات المجتمع المدني ومجموعات الحراك وإنتفاضة 17 تشرين، فهي طبعاً مع إجراء إنتخابات مبكرة وفق قانون إنتخابي جديد، ولكنها غير موحدة حتى الآن أقله تجاه القانون المرجو وتوحيد البرنامج والأجندة. وللتذكير، فإنه ومنذ إجراء الانتخابات في 6 أيار 2018، بدأ العديد من القوى الإعتراض على النتائج والبعض على القانون بحد ذاته، ومنذ إنطلاقة إنتفاضة 17 تشرين الأول الماضي، رفعت معظم المجموعات شعار الدعوة إلى إنتخابات نيابية وتعديل قانون الإنتخاب والمطالبة بإعتماد لبنان دائرة واحدة على أساس النظام النسبي وخارج القيد الطائفي.

وفي شهر تشرين الأول الماضي أعلن رئيس حزب "الكتائب" النائب سامي الجميل عن تقديم إقتراح قانون لتقصير ولاية المجلس النيابي وإجراء إنتخابات نيابية مبكرة في شهر أيار 2020.

وفي شهر آب الماضي تقدمت كتلة "التنمية والتحرير" بإقتراح قانون جديد للإنتخاب، يعتبر لبنان دائرة إنتخابية واحدة وتخفيض سن الإقتراع إلى 18 سنة، وإلغاء الصوت التفضيلي.

وقد أحيل هذا الإقتراح مع غيره من الإقتراحات إلى اللجان النيابية المشتركة التي بدأت البحث فيه، وشهد أحد فصوله نقاشات حادة لجهة رفضه من قبل "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" لأنهما يتمسكان بالقانون الحالي ويرفضان إعتماد لبنان دائرة واحدة. وآخر الإقتراحات كان منذ أيام إقتراح كتلة الرئيس نجيب ميقاتي المؤلف من 125 مادة، والذي يقضي بتقصير ولاية المجلس النيابي الحالي بحيث تنتهي في آخر حزيران 2020 وإجراء إنتخابات جديدة، وسوف يُستتبع بإقتراح تعديل دستوري مع بدء العقد العادي في آذار لخفض سن الإقتراع من 21 إلى 18.

وهو يستند في غالبية أسبابه الموجبة الى مطالب إنتفاضة 17 تشرين الأول 2019 ويعتمد النظام النسبي مع صوتين تفضيليين، واحد عن الدائرة الصغرى أي القضاء والثاني عن الدائرة الكبرى أي المحافظة ، حيث يُقسم لبنان إلى خمس دوائر إنتخابية كبرى مكونة من: محافظة بيروت، محافظتا جبل لبنان و كسروان الفتوح – جبيل، محافظتا الشمال وعكار، محافظتا بعلبك – الهرمل والبقاع، ومحافظتا الجنوب والنبطية، كما يعتمد كوتا الجنس الآخر بمعدل 30% على مستوى الترشيح على اللوائح. في المحصلة، يبقى مطلب الإنتخابات النيابية المبكرة شعاراً غير قابل للتنفيذ طالما أن الخلاف سيكون مستحكماً حول طبيعة قانون الإنتخاب أولاً، ومن ثم حول تعديل سن الإقتراع وهذان الأمران من المخاوف والمحاذير لدى القوى والأحزاب المسيحية، إلى جانب عدم حماس أو حتى قبول قوى الأكثرية الحالية في مجلس النواب بالتخلي عن هذا المكسب وبالتالي عدم ضمان النتائج الجديدة، مع التذكير بأن المجلس النيابي المقبل، في حال جرت إنتخابات مبكرة أم في توقيتها في العام 2022، هذا المجلس هو الذي سينتخب رئيس الجمهورية المقبل.

في كل الأحوال تبقى الكرة في ملعب قوى ومجموعات إنتفاضة 17 تشرين التي يمكنها أن تستمر في ضغطها أقله من أجل صياغة قانون إنتخابي جديد تعهدت حكومة الرئيس حسان دياب بإعداده في بيانها الوزاري.


MISS 3