خالد العزي

التظاهر السلمي والحراك اللبناني...

19 شباط 2020

03 : 35

السلطة تحاول بشتى الطرق عدم الاستجابة لمطالب الحراك (فضل عيتاني)

منذ اندلاع انتفاضة 17 تشرين التي سيطر عليها الاعتراض السلمي بالرغم من الايام الثلاثة الاولى التي كانت تشير الى نوع من التظاهر الاعتراضي غير السلمي، استطاع المتظاهرون ضبط الشارع بالرغم من صعوبته وتعدد التوجهات والمطالب فيه نتيجة اختلاف المجموعات المشاركة في الانتفاضة.

لقد غابت العنفية وردات الفعل في عملية الشتائم وتمزيق الصور واعطاء صورة للعالم مميزة لطبيعة الانتفاضة وسلميتها حيث شكل الشباب والنساء والاطفال الصورة الحقيقية والمعبرة للحركة الاعتراضية التي عاشتها البلد وساحاتها المختلفة التي عبر فيها المنتفضون عن مطالبهم المحقة بطريقة سلمية.

ففي تعريف ثورة اللبناني بحسب القاموس السياسي العالمي فهي سلمية بكل معنى الكلمة أو (ثورة ناعمة) هذا المصطلح برز في مطلع التسعينات، عندما استطاع المجتمع المدني في أوروبا الشرقية والوسطى ودول الاتحاد السوفياتي ودول عديدة في العالم من خلال تنظيم اعتصامات سلمية للإطاحة بالأنظمة الشمولية والفاسدة.

لذلك سميت بالمخملية لعدم تلوثها بالدم واستخدام العنف، وقد اسهمت هذه التحركات بدعم مفهوم المجتمع المدني، وأوضحت أهميته في رسم السياسات الخارجية، والداخلية لهذه الشعوب، من دون حصرها في إطار حكومي حتى أصبح دور المجتمع المدني كبيراً في مقاومة الاستبداد والطغيان من خلال الفعاليات السلمية، فهذه الثورات استخدمت سلاح التكنولوجيا للتواصل وللتعبير عن طبيعتها ونقل الاحداث للعالم.

السلمية والسلطة

هذا الاعتراض السلمي اللبناني ادهش العالم، واربك السلطة التي حاولت اعادة تجميع نقاطها للانقضاض على الانتفاضة من خلال رهانها الدائم على العديد من المسائل التي يمكن استخدامها لخرق الانتفاضة مثل (ارسال مجموعات تمارس الشغب، ضرب حجارة ومفرقعات على القوى الامنية، عرقلة، وصول المتظاهرين من المناطق وتحميل مسؤولية لمنطقة ما ضد اخرى، الاستدعاءات اليومية، شن الحرب النفسية على المتظاهرين، تخويف المتظاهرين من خلال ممارسة القمع المفرط، استدعاء النساء كمحاولة لإبعادهن عن الواجهة، عدم اعتقال الاسماء المشبوهة وسط الانتفاضة الخ...).

فالتظاهر في العالم يحكمه التدافع والمشاجرات مع القوى الامنية التي تحاول فض التظاهرات واستخدام الوسائل المطلوبة بشكل يتم التدرب عليها سابقاً، الصورة اليومية للشارع المنتفض لا يمكن تحليلها على كونها اعمالاً عنفية خطيرة على الامن القومي او الإخلال بالامن العام بل هي حالة طبيعية تمارس في كل العالم ولان التظاهر وسيلة للتعبير فهي مشروعة من قبل كل انظمة العالم المتقدم والنامي ولبنان لا يختلف عنهم.

فالسلطة تحاول بشتى الطرق عدم الاستجابة لمطالب الحراك الواضحة والمعلنة منذ اليوم الاول، هي تحاول اللعب على هامش الانتفاضة للدلالة على انها لا تزال رقماً صعباً في مسك المبادرة والورقة السياسة اللبنانية. لكن الازمة والفجوة تتسع نحو الانهيار، وايضاً تحاول التعامل مع الانتفاضة على تقطيع الوقت وململة الناس والصاق التهم المختلفة بالمتظاهرين... من اجل استفزاز الثوار من خلال التصاريح والتعامل العنفي ومحاولة تحميل انتفاضتهم السلمية الازمة الاقتصادية الحاصلة وفشلهم السياسي وجشعهم وفسادهم المالي، بالرغم من اختلاف المطالب وتوجهات المجموعات لكن الانتفاضة كانت سلمية لان قوة الانتفاضة بسلميتها وقدرتها على تحقيق الكثير من المطالب التي تحققت طوال 12 اسبوعاً من الانتفاضة... لكن بعد الاعياد ظهر توجهان للانتفاضة الشعبية اللبنانية.

التوجه الثوري الاول الذي حمل في طياته استراتيجية المواجهة نتيجة تعنت السلطة السياسية وسياسة اللامبالاة التي تمارسها هذه الطبقة مع الحراك مما دفع بهذا القسم نحو التصادم المباشر مع القوى الامنية والتي باتت معالمها تظهر في النصف الاول من شهر كانون الثاني وهذا القسم تم اختراقه من قبل احزاب السلطة والمندسين الذين يخدمون سياسة السلطة بالقضاء على الانتفاضة.

التوجه الثاني والذي يشكل الأكثرية في الانتفاضة لا يزال يعتبر ان سلمية الانتفاضة هي الاساس في المواجهة التي تربك السلطة والتي لم تستطع طوال الفترة السابقة سوى الاكراه على تأييد مطالب الحراك السلمية.

لا شك بان مجمل الشعب اللبناني الثائر هو سلمي، ويريد التغيير سلمياً ويمكن اخذ التحرك للمواجهة حيث تتطلب الامور وحيث هو يريد المواجهة على عكس القوى الثورية التي تريد المواجهة المستمرة حيث يمكن للسلطة واجهزتها اخذها الى المكان الذي تريده السلطة وليس الانتفاضة.

وهنا يمكن القول للجناح الثوري كفى لقد اخذت وقتك الكافي وخضت تجربتك ولا نريد ان تأخذنا اكثر بل نريد ان نعمل على جمع الساحات والاكثرية ولا نريد ان تظهر الانتفاضة بأعداد قليلة تواجه سلطة كبيرة ودولة عميقة، انما نريد ان يخرج الجميع الى الشوارع والساحات ضمن مطالب واضحة تقضي برحيل السلطة الحاكمة.

طبيعة المواجهة

فمنذ آخر شهر كانون الثاني من هذا العام بعد المئة يوم من الثورة، لقد باتت الصورة تنجلي اكثر لدى المتظاهرين في عملية تحديد طبيعة المواجهة الاعتراضية بوجه السلطة من خلال اعادة احياء التظاهر السلمي في العاصمة وتنشيط التظاهرات في شوارعها، ورفع الاصوات والاغاني والهتافات والقرع على الطناجر من قبل الامهات، واعادة تصدر النساء للواجهة من جديد، ما اعطى فعالية كبرى للمناطق في اعادة احياء الساحات ومدها بزخم شعبي قوي من قبل المشاركين في الساحات. فالمشكلة بالأساس ليست بمواجهة قوى الامن الداخلي والجيش ورشقهم بالحجارة او المفرقعات او رشهم بالماء او بضرب موظفي المصارف وتحطيم الزجاج وحرق ماكينات السحب الآلي، او تحطيم الاماكن العامة وانتزاع الحجر وإحراج البشر في عملية انتقامية من المدينة. هنا بات من الضروري العمل على اعادة التصويب على السلطة من خلال الشعار الذي تم رفعه في بداية الانتفاضة (كلن يعني كلن)، والتركيز على اسقاط الحكومة والمجلس والرئاسة، من خلال البقاء في الساحات وتعزيزها بالناس السلميين والتواصل مع الاعلام البديل الذي حاولت السلطة السيطرة عليه من خلال التخويف والقمع للإعلاميين وتلميع اشخاص النظام.

الانتفاضة يجب ان تستمر ضمن استراتيجية واضحة هدفها التصويب على السلطات الثلاث من خلال القانون والدستور الذي يسمح لنا بالحرية والحركة والتعبير عن مطالبنا والحفاظ على المؤسسات العامة وعدم اعطاء اي فرصة لهذه السلطة من استخدام القمع وهدر الدم.

يبقى السؤال الاساسي في كيفية استنهاض الشارع مجدداً ضمن توجه اعتراضي جماهيري عام يرتكز على السلمية التي تربك السلطة وتشلها داخلياً ودولياً من خلال عدم الوقوع في فخها المنصوب لقمع الانتفاضة السلمية، التي لا تزال تشكل حجر عثرة في مشاريعهم الخاصة المالية والتجارية والمحاصصة المذهبية؟

MISS 3