جولي مراد

"كيف يغيّر الفنّ الحياة؟"

19 شباط 2020

02 : 25

لم يكن مستغرباً أن تحتضن بيروت لقاء ثقافياً بامتياز، فهي مهد الحضارات ومنعطف أساسي لتلاقح الأفكار والمدارس الفكرية، ولكن المستغرب هو أن يجتمع عدد لا يستهان به ناهز المئتين من اللبنانيين في هذه الظروف العصيبة بين جدران قصر الصنوبر الفرنسي، للقاء برعاية السفارة الفرنسية في لبنان ومصرف "بيمو" أحيته الدكتورة نائلة جان شدياق، المتخصصة في العلاج النفسي ومؤسسة ورش الكتابة النفسية في مستشفى "سانت آن" في باريس وحمل عنوان: "كيف يغيّر الفنّ الحياة"؟

إفتتح اللقاء السفير الفرنسي برونو فوشيه بكلمةٍ مقتضبة أثنى فيها على العاصمة التي تنبض روحاً، رغم ما يعصف بها من مآسٍ وما يكبّلها من أزمات سياسية واقتصادية، فبيروت التي شهدت منذ فترة إلغاء معرض الكتاب الفرنسي لظروفٍ قاهرة مردّها الاحتجاجات الواسعة التي عمّت شوارعها منذ اندلاع شرارة 17 تشرين، تأبى العيش بعيداً من إبداع الفن وصخب الموسيقى وألق الفكر المتجدّد.

ولأكثر من 40 دقيقة أغدقت شدياق على الحضور بمعرفةٍ استقتها من تجاربها الشخصية في معالجة المرضى في "سانت آن"، بعلاجٍ نفسيّ قوامه الجوهريّ الفنّ كتابةً. وفي حالتها كان العلاج المعتمد قائماً على ورشٍ للكتابة الابداعية المتفلتة من أي ضوابط، تفتح عبره للمريض باب التعبير على مصراعيه فيدلي بدلوه، ما يؤدي بعد فترة زمنية الى انعتاقه بشكلٍ أو بآخر من هواجسه ومخاوفه التي تقضّ مضجعه. وتؤكد شدياق: "بات الفنّ لازمةً ضرورية لأيّ علاج طبي، الفنّ على أنواعه كافةً من موسيقى ونحت ورسم الى رقص وكتابة وما الى ذلك. ولهذا السبب بالذات وضعت منظمة الصحة العالمية في 26 حزيران 2020 تقريراً ضمّ 900 دراسة أكّدت جميعها على أهمية الفنّ في تحسين حياة المرضى، واستندت فيها الى زياراتٍ موسيقية بإشراف المعالجين لمرضى يعانون من اضطرابات نفسية. ولمست المنظمة كذلك الاثر الايجابي للفنّ على أطفال يعانون اضطراباتٍ مختلفة، إذ تحسّن نوم هؤلاء وارتفع مستوى تركيزهم على المهام التربوية المطلوبة منهم، بمجرّد إلحاقهم بورش فنية أطلقت العنان لأفكارهم ولما هو مكبوت في داخلهم. كما تبين بوضوح أن الغناء علاج فعال لمحاربة الألزهايمر، والموسيقى ركن أساسي لكبح جموح السرطان وانعكاساته السلبية على نفسية المريض". ولا تعتبر شدياق أنه بوسع المعالج إحداث أي فارق في حياة مريضه، إن لم يسع بشكلٍ حثيث الى سلوك درب التغيير وإن لم يشعل تلك الرغبة الجامحة في إعادة انتاج ذات المرء المتعطشة الى ولادة ثانية في حياة أفضل. وأعطت شدياق نماذج تفصيلية عن حالاتٍ نفسية مرضية عالجتها بالكتابة معترفةً بسطوة الابداع على نفسية الانسان وسلوكه.

وأعقب مداخلة شدياق، ريسيتالٌ لأعمالٍ من توقيع وديعة صبرا وجورج باز وبشارة الخوري، ونقولا شفرو وجورج دكاش وأياد كنعان، وألقت رندا صدقة نصوصاً شعرية للدكتورة نائلة شدياق، كما أبهر جورج دكاش الحضور بعزفه على البيانو ترافقه السوبرانو ماري جوزيه مطر.

كانت أمسية راقية نقلتنا بسحر ساحر الى أصقاعٍ حالمة بعيداً من ضوضاء الجعجعة السياسية وكآبة الروتين المعيشي.


MISS 3