مجيد مطر

مع الجيش وقائده

11 آذار 2023

02 : 00

دلّت التجارب على أنّ لكلّ شيء حدوداً، إلا في لبنان، تبدو الأمور فالتة من عقالها، لا يردعها رادع، ولا يحدّها حدٌّ. فهذا البلد الذي يرزح تحت أثقاله السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا ينقصه العقل العدمي، الذي دائماً ما يطرح المسائل السياسية بخلفية الهوس السلطوي، باعتبارها منزلة بين منزلتين: الموت أو الخضوع... أو من خلال الدعاية التي عرّفها البعض بأنّها لا تضمن فكرة ولا تنطلق من عقيدة ثابتة، بل تتوخى مجرد التدمير.

فالهجوم على قائد الجيش العماد جوزاف عون يأتي من تلك الخلفية العدمية التي تعتبر أنّ كلّ منافس جدي أو محتمل على رئاسة الجمهورية، يصبح هدفاً مشروعاً للنيل منه وتشويه صورته والكيل له بما توفر من تهم الفساد ومخالفة القوانين، على غرار ما قام به رئيس «التيار العوني» النائب جبران باسيل، عندما اتهم العماد جوزاف عون بأنّه يخالف قوانين الدفاع والمحاسبة العمومية ويصادر صلاحيات وزير الدفاع، وصولاً إلى حد اتهامه بالفساد وهدر الأموال العامة.

فما كان من قائد الجيش الّا أن قام برد مباشر وصريح متجاوزاً فيه تحفّظه الدائم نظراً لموقعه الحساس الذي يفرض عليه تجنب الدّخول في سجالات مع هذا الطّرف أو ذاك عندما وصف المتهجمين عليه بـ»الموتورين».

بيد أنّ الاتهامات التي خرجت عن المألوف، وتجاوزت قيم التعامل مع الجيش وقيادته التي ظلّت مصانة حتى في عزّ الحرب الأهلية، دفعته للدفاع عن نفسه وعن المؤسسة العسكرية التي تلعب الدّور الأساسي في حماية الاستقرار في ظل هذا الوضع الأمني الضاغط.

ليس سراً أنّ سلوك باسيل تجاه الجيش وقائده في هذا الوقت الحساس يرضي «حزب الله» إلى أقصى الحدود، حتى ولو لم يتم بطلب مباشر منه، الا أنّ هوسه الرئاسي الذي ورثه عن عمه يدفعه باستمرار إلى تقديم أوراق اعتماده لدى حليفه الذي لا غنى لباسيل عنه، مهما حاول إبراز عكس ذلك.

وبالعودة السّريعة إلى الوراء، نكتشف أنّ العماد جوزاف عون رفض تدخل السّياسة في أمور الجيش، خصوصاً من قبل صهر العهد، الذي حاول تسخير قدرات الجيش لصالحه، بتسهيل من وزير الدفاع السّابق الياس بو صعب، فقد شاهد اللبنانيون على مختلف مشاربهم كيف كانت جميع جولات جبران باسيل على الأراضي اللبنانية تتم وسط انتشارٍ كثيفٍ من وحدات الجيش اللبناني لحماية موكبه المنتقل من منطقة إلى أخرى، مثيراً للفتن وناكشاً في القبور، وما حدث في منطقة «قبر شمون» يأتي على سبيل المثال لا الحصر.

وأمام هذا الواقع المرعب، يحقّ حينها لدافع الضرائب اللبناني توجيه السؤال عن التكلفة المادية التي يتكبدها الجيش اللبناني، لحماية شخصيةٍ سياسية تقوم بجولاتها الخاصة، على حساب المال العام، فقط لكونها على قرابة من رئيس الجمهورية الذي لا يتورع بدوره عن إعطاء الانطباع بأن الجيش اللبناني، ملك يمينه يستخدمه ساعة يشاء.

ويريد جبران باسيل، من جانب آخر، محاسبة قائد الجيش بمفعول رجعي، خصوصاً لناحية رفضه إعطاء الاوامر لقمع المنتفضين في 17 تشرين لصالح السلطة، فهذا المطلب، لا شك، فيه تعارضٌ أخلاقي مع واجبات الجيش اللبناني في حماية الدولة، والشعب والنظام، بدلاً من السلطة أو أحدٍ من أشخاصها.

ومن البديهي القول إنّ المؤسسة العسكرية ليس أمامها الكثير من الخيارات، كالسياسيين، وهي ملزمة بسلوكٍ محايد، يستوجب منسوباً مرتفعاً من الإحساس بالمسؤولية، في بلد تصعد فيه القوى الطائفية إلى موقع الهيمنة والتسلط، لتحاول اختزال جميع السلطات والمؤسسات بلعبة المحاصصة وتوزيع المكاسب.

اللافت أنّ تلك الاتهامات حصلت في ظلّ تجاهلٍ شبه تام، من قبل أعضاء «التيار» الذين بنوا، على امتداد السنوات، حيثيّتهم السّياسية على حساب الجيش اللبناني، الذي يحظى بثقة اللبنانيين طواعية ومن دون منّة.

وهذا التهجّم المستغرب والمُدان على قائد الجيش جوزاف عون يستوجب توجيه السّؤال إلى أعضاء «التيار»، وهو سؤال محايد: هل نحن بصدد الولاء للجيش اللبناني، أم تبعية عمياء تأتي في قالب الولاء المطلق، لمؤسس «التيار» الذي صودف يوماً أنّه كان قائداً للجيش؟


MISS 3