جاد حداد

فيليب فيلنوف المشرف على إعادة ترميم "نوتردام" يرفض تحديثها!

25 شباط 2020

11 : 14

كان فيليب فيلنوف (54 عاماً) على بُعد 300 ميل من باريس حين بدأت كاتدرائية "نوتردام" تحترق. هو كبير مهندسي الآثار التاريخية في فرنسا، وبدأ يشرف على إعادة ترميم الكاتدرائية في العام 2013. لكن في 5 نيسان 2019، كان متواجداً في مدينة "لاروشيل" المرفئية على الساحل الغربي الفرنسي، حيث يشرف على إعادة ترميم دار البلدية الذي يعود إلى القرن الثالث عشر (إنه أقدم مشروع مستمر في فرنسا). ثم عاد إلى باريس على وجه السرعة وانضم إلى رجال الإطفاء لمحاولة منع النيران من التهام الكاتدرائية الأسطورية.يقول فيلنوف وهو يضع يده على صدره: "إنه حدث مرعب. قلبي يخفق بأقصى سرعة عند تذكّر ما حصل. هذا الموقع الأثري جزء مني".

تقع كاتدرائية "نوتردام" فوق جزيرة "إيل دو لا سيتي" في نهر السين، لكنها باتت محاطة اليوم بالأسوار ولا يستطيع الناس رؤية واجهتها. في المقابل، لا تزال أبراج الأجراس الشهيرة والدعامات المتناثرة واضحة للعيان فوق سياج من الأسلاك الشائكة. منذ الصباح الباكر، يبدأ عمّال البناء وحراس الأمن عملهم الصاخب في الدير القديم، وهو عبارة عن شوارع متشابكة من القرون الوسطى في ظل "نوتردام". يحضر فيلنوف إلى هذا المكان كل يوم تقريباً ويشرف على مسار إعادة البناء.درس فيلنوف الهندسة المعمارية في مدرسة باريس الوطنية العليا للعمارة في "فال دو سين"، وكانت أطروحته تتمحور حول كنيسة مار بطرس وبولس في بلدة "غوسانفيل" التي تحتفظ بعناصر من فن العمارة الرومانسكي والقوطي. طوال سنوات، كان مسؤولاً عن المباني التاريخية والآثار في جنوب غرب فرنسا، وتحديداً في إقليمَي "شارنت" و"شارنت ماريتيم". في العام 2011، بدأ يشرف على إعادة ترميم قلعة "شامبور" التي تعود إلى القرن السادس عشر في "لوار فالي". وفي العام 2013، عاد إلى "نوتردام".



فيليب فيلنوف



يقول فيلنوف: "حين وصلتُ إلى الكاتدرائية، أدركتُ أنها ليست في وضع جيد". طرحت الحكومة الفرنسية برنامج ترميم بقيمة 150 مليون يورو (170 مليون دولار)، على أن يشمل إصلاح حجارة الدعامات المتناثرة والشقوق في البرج الذي صمّمه المهندس المعماري يوجين فيوليه لو دوك. يضيف فيلنوف: "كنا نعمل على ترميم البرج حين اندلع الحريق".بدأ الحريق في علّية الكاتدرائية، ثم تمدد ليشمل الإطار الخشبي للسقف، وهو واحد من أقدم المعالم في هندسة الكنيسة (بُنِي في العام 1220 من خشب السنديان)، وسرعان ما انهار البرج الأسطوري فوق السرداب. يشعر الكثيرون في فرنسا بالقلق من أن يكون سبب الحريق مرتبطاً بأعمال الترميم. فتحت النيابة العامة تحقيقاً حول حصول إهمال جنائي محتمل، لكن لم يتحدد أي سبب دقيق. قد لا نعرف السبب يوماً برأي فيلنوف.

حين سُئل إذا كان يشعر بأنه مسؤول عن الحريق، أجاب بالنفي في البداية ثم اعترف بأن الدمار حصل تحت إشرافه، ما يعني أنه "مسؤول لكن غير مذنب". ثم عبّر عن حزنه الشديد لما حصل.تُركّز عمليات الترميم راهناً على إعادة تثبيت هيكل "نوتردام" وإزالة البقايا المحروقة من السقالة المستعملة للترميم. (هذه السقالة هي أكثر ما يثير قلق فيلنوف: إذا وقعت، ستسقط على السراديب وتُحدِث أضراراً إضافية في الكاتدرائية). هو يأمل في إنهاء هذه العملية بحلول الربيع المقبل، وسيتمكن حينها من تحليل حجم الأضرار واقتراح الخيارات المناسبة لإعادة الترميم.راح فيلنوف يتكلم بطريقة فلسفية أثناء تجوله في محيط الكاتدرائية فقال: "لا تتعلق المسألة الأساسية بأسلوب إعادة البناء فحسب، بل بسبب هذا المشروع أيضاً. ما الغاية من استعمال هذه المواد أو التقنيات أو الهياكل؟ ما سبب إعادة بناء البرج؟ أو ما سبب تفضيل خيار آخر؟ نحن نتعامل هنا مع تحفة فنية حقيقية. إنه موقع أسطوري ويشبه بأهميته لوحة الموناليزا. كيف كنا لنتعامل مع الموناليزا؟ لقد نشأت هذه اللوحة بطريقة معينة ولم تتغير. لكنّ "نوتردام" نشأت وخاضــت تغيرات متواصلة".

تبيّن أن تحديد طريقة إعادة بناء البرج هو من أكثر النقاط إثارة للجدل. تبقى الكاتدرائية تحت سيطرة وزارة الثقافة الفرنسية، ويفضّل الرئيس الفرنسي إيمانويــل ماكرون إعادة بناء البرج مع لمسة "معاصرة". على غرار مركز جورج بومبيدو أو تأييد فرانسوا ميتيران لدخول هرم إلى متحف اللوفر تحت إشراف المهندس المعماري يوه مينغ باي، ستكون أي نفحة معاصرة في برج "نوتردام" كفيلة بتدعيم عهد الرئيس ماكرون بمشروع هندسي كبير يُعرّف عنه.لكن يريد فيلنوف من جهته أن يُعاد بناء البرج الذي صمّمه فيوليه لو دوك بالأسلوب نفسه. خلال الخريف الماضي، أعلن على الراديو الفرنسي أنه يفضّل الاستقالة على السماح بنشوء برج معاصر يشوّه معالم "نوتردام".

تعليقاً على هذا الموقف، ردّ الجنرال جان لويس غورغيلين، رئيس أركان الجيش السابق الذي أصبح اليوم ممثل ماكرون الخاص للإشراف على عملية إعادة الترميم، قائلاً: "على السيد فيلنوف أن يغلق فمه"!يقول فيلنوف من جهته: "حين نعيد بناء الكاتدرائية، يجب أن نقوم بهذه العملية بأعلى درجات الحذر ونحترم إرثها، ويجب ألا نترك أي أثر يدلّ على مساهمتنا. يتعين علينا أن نتحلى بتواضع شديد". كما أنه يدين "المهندسين النجوم" الذين اقترحوا تصاميم جديدة للبرج لأنهم يتوقون إلى ترك بصمتهم في "نوتردام".

هذا الموقع لا يحتاج إلى أحد بحسب رأيه.يبدو أن البرلمان الفرنسي يؤيد وجهة نظر فيلنوف، لذا مرّر قانوناً في الصيف الماضي يطالب بإعادة ترميم الكاتدرائية بما يتماشى مع "آخر مظهر معروف لها". يبدو أن البرج الذي صمّمه فيوليه لو دوك لا يزال آمناً، حتى الآن على الأقل، مع أن القانون يسمح بإقرار تعديلات غير محددة على مستوى المواد والهياكل والتقنيات المستعملة.

سيطرح فيلنوف توصياته في هذا المجال، لكن يبقى القرار الأخير حول طريقة إعادة بناء الكاتدرائية بيد الحكومة الفرنسية. تعهد الرئيس ماكرون باكتمال كاتدرائية "نوتردام" بحلول موعد الألعاب الأولمبية في صيف العام 2024 في باريس.لكن يفضّل فيلنوف عدم الاستعجال في خوض هذا النقاش، بل يجب أن يكون التعامل مع الموضوع "ناضجاً" برأيه: "هذه العملية هي أشبه بتحضير يخنة. وبالتالي، يجب أن تُطبَخ جيداً"!


MISS 3