جولي مراد

"المهرجان العالمي للنسويّات" في بيروت

أولانيون: نحتاج إلى رجال «نسويّين»

27 شباط 2020

09 : 04

للمرّة الأولى في العالم العربي والشرق الأوسط يُنظَّم مهرجان كبير مخصص للمرأة بعنوان "المهرجان العالمي للنسويات" ويمتدّ من اليوم إلى 1 آذار 2020 في المركز الفرنسي في لبنان.

يسلّط المهرجان الضوء على قضايا المرأة والتحديات التي تواجهها سيما وأنّها باتت ركناً اساسياً من كلّ انتفاضة أو ثورة تسعى لإحقاق العدالة والمساواة وتحسين ظروف المجتمع.

يجمع المهرجان شخصيات نسوية وناشطين وأكاديميين وفنانين ومثقفين من جميع أنحاء العالم.

"نداء الوطن" التقت مستشارة التعاون والعمل الثقافي ومديرة المراكز الفرنسية في لبنان فيرونيك أولانيون للوقوف على أهمية الحدث وتفاصيل فعالياته وعادت بالحوار الفكري التالي:




هل نجزم اليوم بأنّ العالم الغربي تخلّص من نزعة "السلطة الأبوية" بما أنّنا لم نصل بعد الى تلك المرحلة من التقدّم فـي البلدان العربية؟


لا يعود إليّ، بصفتي مديرة المراكز الفرنسية في لبنان، الحكم على هذا الأمر انطلاقاً من نظرتي الشخصية. المؤكد هو وجود تعبئة نسائية كبرى في كلّ ما نشهده من حركاتٍ ثورية، فقد باتت المرأة محرّكاً فاعلاً للتغيير ومحفزاً أساسياً لأيّ ثورة، ومن هذا المنطلق بالذات تحتلّ الساحات العامة بجرأةٍ منقطعة النظير معبّرةً عن أفكارها بصوتٍ عالٍ. وليست المرأة اللبنانية غريبة عن هذا النضال. أما عما إذا كانت قد تخلّصت من الذهنيّة الذكورية فالأمر يختلف من بلدٍ الى آخر، فما يصح في تونس لا يصحّ في الجزائر أو المغرب، أو لبنان... ومع ذلك لا ننسى أنّ التونسية نالت حقوقاً لم تنتزعها الفرنسية إلا أخيراً كالحق في الاجهاض مثلاً. من هنا تجربتها فريدة ومتقدّمة جداً في مجال حقوق المرأة.


هل يمكننا التحدّث فعلاً عن مساواةٍ بين المرأة والرجل؟


ما زالت حقوق المرأة مسألة نضالية حتى في فرنسا علماً أنها تندرج دوماً ضمن أولويات البرنامج الرئاسي، فقضايا العنف الاسري أو عدم المساواة من حيث الأجور والتمييز حاضرة دوماً في برنامج كلّ رئيس. لا ننكر أنّ فرنسا مضت قدماً من حيث معاقبة التمييز قانوناً، فقد ألغيت كلّ القوانين التي كانت قائمة على أسس تمييزية ولكن حتى نهاية السبعينات كانت المرأة بحاجةٍ الى إذن الزوج للسفر أو لفتح حسابٍ مصرفي. صحيح أنّ الفرنسية تتمتع اليوم بكامل حقوقها بعد إلغاء كافة القوانين المجحفة ولكن نضالها يبقى قائماً لتفعيل المساواة في نظام "الكوتا" المعتمد في العمل السياسي أو الادارات العامة مثلاً، علماً أن كل ما يمتّ الى عالم المرأة وحقوقها ينال حيزاً كبيراً من الاهتمام في وســائل الاعلام كقضايا العنف الاسري أو متابعة نضال حركة Me too التي كان لها أثرٌ كبـير في فرنسا.


ما هو الهدف من إقامة هذا النوع من المهرجان في بيروت؟


منذ انطلاقة ظاهرة 17 تشرين تساءلنا عن موقفنا من هذه الانتفاضة. لا شكّ في أن فرنسا تحفّز تاريخياً قيام أي نقاش فكري حول قضايا المجتمع. يكفي الاطلاع على عدد الندوات أو المؤتمرات التي ننظمها بهدف إنشاء ارضية ديمقراطية صلبة. أردنا المساهمة في إطلاق هذا النوع من الحوارات من دون أن نبدو وكأننا نتدخل في الشؤون اللبنانية عبر توفير المساحة الضرورية للتحاور وإلقاء الضوء على تجارب الآخرين. وهكذا استضفنا الفيلسوف ميشال أونفري الأسبوع المـاضي الذي ألقى محاضرة حول الانتـفاضة والثورة وشرح ما يجب فعله كي تتحوّل الانتفاضة اللبنانية إلى محفّزٍ لتطوير النظام اللبناني. وكان رأيه ضرورة إنشاء منتدياتٍ مدنية دائمة للنقاش وتبادل الآراء بشكلٍ يفضي بدوره الى إدخال تعديلاتٍ ايجابية على النظام القائم. كذلك استضفنا البروفسور باتريك بوشون، الذي كتب عن تاريخ فرنسا العالمي محاولاً تفكيكه من إطاره التقليدي عبر تسليط الضوء على زوايا أخرى كعلاقة فرنسا بالعالم، مع أفريقيا مثلاً، وانطلاقاً من هذه التجربة تساءل إن كانت كتابة تاريخٍ مشترك أمراً ممكناً؟ بالنسبة الى لبنان اعتبر أنّه لا يمكن كتابة تاريخٍ واحد بل الاصح كتابة عدد من الروايات لا تركز على الوقائع الإحصائية والأرقام بل تغوص في أعماق سبب قيام الحرب مثلاً.




ما هي أبرز نشاطات المهرجان؟


هدفنا تحفيز التعبئة الاجتماعية لتسليط الضوء على قضايا المرأة ونضالها عبر توفير مساحة للنقاش والفكر وحتى اشراك الفنانين في إنتاج هذه المساحة الفكرية. ويترافق كلّ نشاطٍ نقدي وفكري مع برنامجٍ فنيّ استثنائي. لدينا مثلاً عرضٌ للفيلم الوثائقي Woman من إخراج أناستازيا ميكوفا ويان أرتروس برتران، ومسرحية "الحدث" L’événement من إنتاج آني إرنو وإخراج فرنسواز جيلار، كذلك سيقام معرضٌ للفنانة العالمية أورلان كما نطلق دورة أفلام بعنوان "مناضلات في السينما" بالتعاون مع "كارت بلانش" و"نادي لكل الناس". ويختتم البرنامج بحفلة في "ستايشون" مع المنسقتين الموسيقيتين الكندية شيبي نون ستوب واللبنانية تالا مرتضى.


هل كان سهلاً استقدام الاجانب الى لبنان في هذه الظروف العصيبة؟


ثمة اهتمام كبير من الأجانب عموماً حيال لبنان، ومن الفرنسيين خصوصاً مع الانتفاضة الشعبية الأخيرة، فالإعلام الفرنسي مبهور بالطابع السلمي و"الاحتفالي" للثورة اللبنانية وهو يتابع كلّ ما يحصل من تطورات في لبنان عن كثب. أردنا أن يكون هذا المهرجان متعدّد اللغات وسنوفّر الترجمة الفورية لحلقات النقاش وفعاليات الحدث من الفرنسية الى العربية وهو أوّل مهرجان من نوعه في المنطقة، وضيوفنا من مختلف البلدان، من فرنسا وكندا وتونس والمغرب وفرنسا وليبيا... إلخ. ولا بدّ من أن تثمر جهودنا نتائج طيبة.


في البرنامج حلقةُ نقاش بعنوان "النسوية وحقوق الانسان؟" ما العلاقة بين العالمين؟


حضّرنا برنامج المهرجان مع شركائنا، كمعهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف وجمعية دليل مدني، ومركز جمانة حداد للحريات. أردنا إقامة حلقات نقاشية عملية كمسألة "المرأة في الاعلام"، أو تسليط الضوء على الادوات القضائية الأساسية للنضال في مجال حقوق المرأة، بالاضافة الى طرح مواضيع فكرية كالآلية اللازمة للتخلص من نزعة "المجتمع الأبوي" أو العلاقة بين حقوق المرأة وحقوق الانسان. ونحن نحرص في المركز الفرنسي دوماً على تحفيز كلّ نقاش فكري حول قضايا مختلفة تمسّ المرأة اللبنانية، طابع بعضها قانوني، كالحقّ في الارث، أو الحضانة أو منح الجنسية أو الاجهاض وما الى ذلك...



(تصوير جورج بو عبدو)


مساواة وتحديات  


هـل يسهم هذا النـوع من المهرجانات في تحصيل حقوق المرأة؟


إننا مقتنعون بأنّ هذا النوع من المهرجانات يوفّر الأدوات والأفكار اللازمة لكل امرأة منعزلة كي تكسر قوقعتها وتنطلق نحو الاستقلالية وتمكين الذات. كيف نفعل ذلك؟ عبر عرض تجارب النساء من مختلف أصقاع العالم. لقد لمسنا تعطشاً كبيراً إلى هذا النوع من الحلقات النقاشية، وهذا لا ينفي طبعاً الحاجة الى نضالٍ سياسي عبر اعتماد إصلاحاتٍ تشريعية أو مؤسساتية تسمح للمرأة بتحسين وضعها في مجالات مختلفة تكون فيها حقوقها منتهكة.


إذا كنا نبحث عن المساواة بالمطلق لمَ لا نخصّص "يوماً عالمياً للرجل"؟


لقد حرصنا على إشراك الرجل في المهرجان فنحن نستضيف العالم ايريك ماسي الذي سيطرح المسألة على بساط البحث في حلقةٍ نقاشية، يوم الاحد المقبل، تحمل عنوان: "الرجل والنسوية". ليس "النسويوين" من النساء فحسب، بل إنّ للرجل تأثيراً كبيراً على مسيرة المرأة النضالية. فحين نتحدث عن قانون الاجهاض في فرنسا لا ننسى أنّ ابرز من دعمه كان رئيسُ وزراء مؤمن ومقتنع بضرورة المضي قدماً بهذه القضية. أنا نفسي محظوظة بأنّ شريكي كان داعماً كبيراً لمسيرتي المهنية فهو ارتضى التوقّف عن العمل لسنةٍ كاملة كي أشغل منصبي، واهتم بالأطفال حين توليت منصباً إدارياً مرموقاً فيما كنت أسافر باستمرار من بلدٍ الى آخر. العالم بحاجة الى "رجال نسويين".


ما هو أكبر تحدّ تواجهه المرأة اللبنانية برأيك؟


لبنان بلد التناقضات فثمة حرية كبيرة للتعبير، وحرية في الملبس وتنوع في التقاليد. في المقابل ثمة تقاليد محافظة، نوعاً ما، كالسكن مع الأهل حتى الزواج وما الى ذلك. ولكن تحديات المرأة تختلف من بلدٍ الى أخر ففي السودان يكمن التحدي مثلاً في مكافحة الختان أو الزواج المبكر، بينما يشكل حقّ الحضانة أو نقل الجنسية أبرز تحديات المرأة اللبنانية. 


هل سررت بتعيين ستّ وزيرات في الحكومة اللبنانية؟


طبعاً ولكن دعيني أقول كم هالني الهجوم الشخصي الذي تعرّضت له الوزيرات والثرثرات التي رافقت هذا التعيين. حتى في فرنسا شهدنا هذا النوع من الهجوم غير المبرر مع نساء وصلن الى مراكز عالية، إذ ثمة إصرار لدى البعض على التشكيك بكيفية وصول المرأة الى أي منصبٍ بمجهودها الفردي. رمزية تعيين أوّل امرأة كوزيرة دفاع في العالم العربي بالنسبة إليّ كافية للإشارة الى أنّ المجتمع اللبناني يسير نحو آفاقٍ واعدة.


MISS 3