رمال جوني -

"المسحّراتي" يعود إلى النبطية

25 آذار 2023

02 : 00

"المسحّراتي"... يخرق الأزمة ويزرع جرعة من التفاؤل

غابت زينة الشهر الفضيل عن شوارع مدينة النبطية وقراها. حتى فانوس رمضان غاب أيضاً. «رزق الله ع رمضان أيام زمان»، يومها كانت الظروف في أفضل حال. الناس يزورون بعضهم بعد الإفطار. هذه العادة قضى عليها غلاء المحروقات. حتّى المهرجانات الرمضانية غيبتها الأزمة. والبلديات بالكاد ترفع النفايات. تعيش أزمة حقيقة، أدخلتها غرفة الإنعاش. تعتمد اليوم على هبات الناس لتصمد مدة أطول.

لم تفكر غالبية البلديات في إعانة الناس في زمن الفقر، فوضعها بات تحت خط الفقر. فكيف ستفكر بزينة رمضان ومهرجانات وتوزيع حصص غذائية؟ وحده المسحّراتي خرق حواجز الأزمة. شقّ عتمة الطرقات، مردّداً «يا نائم وحد الدايم». بدا كأوكسجين رمضان، يزرع جرعة من التفاؤل لو لأيام. تمرّدت هذه الشخصية على الواقع المرير، في وقت فقد الناس كلّ مقوّماتهم الحياتية. يواجهون صيامهم بكثير من الأزمات الطارئة. باتوا في وادي جهنم لا محال. تخلّوا عن كل عادات رمضان التي كانت ترافقهم، فالوضع لا يسمح.

عاد المسحراتي إبراهيم الحلبي مجدّداً إلى الشارع، حمل معه رسائل متعددة الاتجاهات. جاء في الزمن الصعب، حيث الناس فقدت كل سبل الحياة، ذكّر الناس بالزمن الجميل. أيقن النادي الحسيني للمدينة أنَّ إحياء التراث الرمضاني، بمنزلة خطوة فرح في الزمن القاتم. حرصوا على إحياء هذه الموروثات كي لا تضيع في غياهب الفقر والأزمة الراهنة. برأيه «كثر نسوا المسحّراتي، مرّ زمن طويل على غيابه عن شوارع المدينة».

دخلت السياسة في شعائر رمضان فدمّرتها، كما دمّرت كل شيء، حتى «مشاطيح» رمضان قضت عليها الأزمة. أُقفل آخر فرن يقوم بإعدادها. «المشطاح» الذي ذاع صيته، ويقصده الناس من خارج المدينة لشرائه، ودّع الناس في شهر رمضان.

يقف المسحراتي إبراهيم أمام الفرن المُقفل الذي قد يصبح بعد مدة محلاً للألبسة أو مطعماً، يتذكر ازدحام الناس فجراً أمامه لتناول مشطاح السحور. يأسف لما آلت اليه الأحوال من ضيق وفقر ومعاناة، يذرف دمعة قبل أن يُعيد قرع طبله ويكمل مسيرته. يعتبر المسحراتي جزءاً من هوية مدينة النبطية، إلى جانب مدفع رمضان التراثي الذي يفوق عمره المئة عام، يقع عند بيدر النبطية. يتحلق الأطفال حول الحاج خضر كمال الستّيني حيث يقوم ابنه محمد بحشو مدفع رمضان. اعتاد هذا الأمر لأكثر من ثلاثين عاماً. لم ينقطع الحاج خضر يوماً عن إطلاق مدفع رمضان إلا زمن الإحتلال.

يفوق عمر المدفع المئة عام. يرافق يوميات الصائمين في المدينة، فهو يطلق كل يوم طلقة. بات طقساً ثابتاً. حافظ على هيكله، ويحرص خضر مع ابنه أن يستمرا في هذا العمل على الدوام. يعتمد خضر الطريقة التقليدية في حشو المدفع. لم يتخلّ عن الأمر، فهو يراه جزءاً من التراث القديم الذي يجب الحفاظ عليه. يرى أن المدفع يزرع الفرح في نفوس الناس في هذا الوقت الصعب.

غيّرت الأزمة الكثير من العادات الرمضانيّة. غاب الحكواتي الذي كان يُزيّن جلسات الناس في حيّ السراي، أحد أقدم أحياء النبطية. ما زال الحيّ يُحافظ على بعض شعائر الشهر، تحديداً الزينة، و»لمات» الناس على مائدة الفطور. ما عدا ذلك، كل شيء مزّقته الأزمة، لم تُبقِ على شيء. خرقت كل دساتير رمضان، حتى «بسطات» الجلاب غابت. لولا عودة المسحراتي والحفاظ على مدفع رمضان التراثي، كان يمكن القول بأي حال عدت يا رمضان.