أحمد الأيوبي

صواريخ الجنوب: ثغرة استنزاف للقرار 1701 وعرقلة للاتفاق الإيراني السعودي

9 نيسان 2023

02 : 00

أدّى تزاحم الأحداث الدولية والإقليمية وتشابكها إلى تحويل إطلاق الصواريخ من مناطق سيطرة "حزب الله" في الجنوب نحو الداخل الفلسطيني المحتل إلى حَدَثٍ عالميّ قابل للتفسير على وجوه كثيرة، منها المتوافقة ومنها المتناقضة، فانعكست داخلياً وخارجياً وعادت الأسئلة الكبرى عن حالة الدولة وقرار الحرب والسلم لتحضر في صدارة المشهد، مع قدرة مجموعة مجهولة معلومة على خرق السيادة وتطيير الرسائل الإقليمية بتوقيع إيرانيّ ممهور بفرض أنواع المخاطر على الكيان من دون أيّ اعتبار لموقف اللبنانيين ومصالحهم.


"حزب الله" يبرِّر ويغطي

جرى ربط القصف الذي انطلق من الأراضي اللبنانية بالتصعيد الإسرائيلي في القدس واقتحام المتطرفين الصهاينة للمسجد الأقصى، كتبرير لخرق القرار 1701 وتحريك الجبهة الجنوبية من دون ظهور حزب الله في الواجهة، وهو أمر حرص الجانب الإسرائيلي على التأكيد عليه وتحميل حركة حماس المسؤولية، وقد غطى الحزب إطلاق الصواريخ من خلال تصريح رئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين اعتبر فيه أنّ "المسجد الأقصى ليس وحيداً والنيل من مقدساتنا سيُلهِب المنطقة"، واستمرّ الحزب في تغطية ما جرى من خلال موقف أمينه العام حسن نصرالله الذي اعتبر أنّ "الأحداث في جنوب لبنان وفلسطين واعتداءات الصهاينة على سوريا الأسبوع الماضي" كلها "مرتبطة".


وضع نصرالله أحداث الجبهة السورية في موازاة الجبهة اللبنانية التي كانت خامدة وقرّر تسخينها في مرحلة تلمّس تطبيق الاتفاق الإيراني السعودي وبالتوازي مع إخفاقه المتواصل في فرض مرشحه الرئاسي سليمان فرنجية.


إستفاد الحزب شعبياً وفي عملية التعبئة من الاستنتاج الذي يقول إنّه يقف وراء إطلاق الصواريخ تضامناً مع أهل القدس لأنّه بدون إرادته لا يمكن لأحد إطلاق رصاصة عبر الحدود في المناطق الحدودية.


صواريخ في الجبهة الرئاسية

جاء إطلاق الصواريخ من الجنوب في لحظة سياسية داخلية حساسة مع ارتفاع أسهم قائد الجيش العماد جوزاف عون الرئاسية لدى العواصم الدولية والعربية باستثناء باريس، حيث يحاول الحزب استثمار الحدث للردّ على الحملة التي شنّها الجيش مؤخراً ضدّ عصابات المخدرات في البقاع من دون التنسيق المسبق مع الحزب، خارقاً الحدود التي يحرص الحزب على رسمها للجيش في ملف المخدِّرات، الأمر الذي اعتبرته قيادة الحزب تقديم أوراق اعتماد من العماد جوزاف عون لدى الجهات الدولية والعربية، وقد لمست أوساط متابعة للشأن الدبلوماسي أنّ هذه المقولة بدأت تتسرّب عبر القنوات الناشطة في الملف الرئاسي في محاولة لتصوير أنّ الجيش غير قادر على ضبط الحدود من دون "حزب الله" في الجنوب وأنّ الحزب وحده الضمانة للاستقرار، مع تناسي أنّ المسؤول الأول هو السلطة السياسية وأنّ الجيش يقوم بأكثر مما عليه داخلياً وفي دوره على الحدود.


تأسيس لفوضى حدودية ممسوكة

من الناحية العملية، يؤسِّس حزب الله لمرحلة مقبلة يجري فيها إطلاق صواريخ من الجنوب يمكن من خلالها أن يتفلّت من اتفاقية ترسيم الحدود إذا اقتضت التطورات الإقليمية والدولية ذلك، لهذا سيعمل على تظهير واجهات حزبية لبنانية تتبنّى العمل المسلّح كما حصل مع الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي أعلن عودته "إلى ساح الجهاد" وإذا فشلت المفاوضات مع الجماعة الإسلامية، فإنّه يتوقع أن يأتي بمجموعاته السنية المعروفة لزجّها في الاصطفاف على الجبهة الجنوبية.


ما أخّر الضربة الإسرائيلية هي حال الانقسام في الحكومة الإسرائيلية وليس مناعة الواقع اللبناني، وصحيح أنّ حقل كاريش يشكّل نقطة ضعف إسرائيلية لكنّ الصحيح أيضاً أنّ حملة دعاية الاستعلاء والادّعاء بأنّ الحزب قادر على حماية لبنان إذا خرجت الأمور عن السيطرة لا تعني سوى حفلة تدمير جديدة ومزاعم فارغة بانتصار على أطلال وطن لن يجد هذه المرة لا قطر ولا السعودية لتعيد إعماره من جديد.


مؤشِّرات التوتر المقبلة

ليس هناك ما يؤشِّر إلى اتجاه الأوضاع نحو الهدوء في الجنوب لأنّ "حزب الله" صرّح عبر قيادته وإعلامه أنّ إطلاق الصواريخ أمرٌ مشروع في مواجهة القمع الإسرائيلي للفلسطينيين في القدس والأٌقصى، وذهب إعلام والحزب والناطقون باسمه إلى الترويج بعودة موجة الارتباط بالقضية الفلسطينية باعتبارها أولوية على الشؤون الوطنية وعلى الكوارث المعيشية، وذهب وزير الثقافة محمد المرتضى إلى الادعاء بأنّ أهل الجنوب لن ينزحوا شمالاً إذا شنّت إسرائيل عدواناً ضدّهم بل إنّهم سيزحفون جنوباً بعد إثارة استقبال أو عدم استقبال النازحين في مختلف المناطق اللبنانية.


تشير المعطيات إلى أنّ إطلاق الصواريخ لن يتوقف في المرحلة المقبلة برعاية "حزب الله" وهذا يرفع مستوى المخاطر لأنّ الإسرائيليين وضعوا بنك أهداف لمراكز حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ومن الصعب ضمان عدم انزلاق الأمور إلى اشتباك واسع، خاصة أنّ حسن نصرالله سبق له أن حذّر من ضرب الفلسطينيين وغيرهم على الأراضي اللبنانية كما أشرنا في تقرير سابق.


أمّا عنصر التوتّر الموازي فهو استمرار العمليات الفدائية في الضفة وفي الداخل الإسرائيلي وهي وتيرة سوف تتصاعد في الفترة المقبلة، كما أنّ القمع الصهيوني سيتصاعد في القدس وسيواصل المتطرفون الصهاينة الذين باتوا جزءاً من حكومة نتنياهو محاولات إعلان يهودية المسجد الأقصى وتقسيم الحرم القدسي مع إصرارهم على تنفيذ طقوس الذبائح وهذا عنصر تفجير شديد الخطورة.


تقف إيران على براميل البارود فتشعل هنا وتحرِّك هناك في محاولة لخلط الأوراق وتجنيب أتباعها الدخول في تطبيق ما يتعلّق بوقف دعم الميليشيات والتدخل في شؤون الدول العربية الداخلية، وهنا ستظهر معالم التوجهات الإيرانية في سوريا ولبنان، وهي توجهات من الواضح أنّها لن تصبّ في خانة الاستقرار. 

MISS 3