أحمد الأيوبي

كمين حزب الله في المحكمة العسكرية لن يُرجع الهيبة المفقودة

24 نيسان 2023

02 : 00

من تابع خطابات الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله المتعاقبة حول ما بات يُعرف على سبيل التضليل الإعلامي بـ"أحداث خلدة"، واستخدامه كل أشكال التعنيف السياسي والأمني ضدّ عشائر العرب وضدّ الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية وضدّ القضاء، يدرك أنّ الأحكام في هذه القضية ما كانت لتصدر إلاّ على شاكلة ما صدر عن المحكمة العسكرية رغم انكشاف هويّة المعتدين الشخصية والحزبية ورغم وضوح هويّة الضحايا الشخصيّة والعشائريّة والسياسيّة.


وضع نصرالله ثقله الشخصيّ وأثقال صواريخه الراعدة والقاصفة ومقاتليه المئة ألف في ثلاث ملفّات حاول فيها أن يحافظ على هيبته وهيبة حزبه، وهو خسر فيها بالإجمال وهذا كان تحوّلاً مهّد لكسر الأغلبية النيابية التي كان يملكها.


الحدث الأول: قيام عناصر "حزب الله" باستفزاز عشائر خلدة ومحاولة فرض طقوس مذهبية عليهم في عراضة مسلّحة أسفرت عن اغتيال الطفل حسن غصن في آب 2020، وما تلى ذلك من تقصير السلطات القضائية والأمنية في الاقتصاص من القاتل المعروف علي شبلي والمشمول بحماية الحزب، ممّا دفع بأهل الشهيد غصن إلى الأخذ بثأره أمام الأشهاد، فوقعت غزوة خلدة المسلّحة التي حاول من خلالها الحزب كسر عشائر خلدة فدافعت عن نفسها، ممّا دفع أمينه العام إلى الخروج مراراً وتكراراً للضغط على الجيش والقضاء لاستهداف شباب العشائر والانحياز العلني ضدّهم.


الحدث الثاني: تصدّي أهالي بلدة شويّا لاستغلال "حزب الله" أراضي بلدتهم لإطلاق صواريخ منها نحو فلسطين المحتلة، وكانت المشاهد التي عبّرت بقوّة عن رفض الأهالي لهذا الاستغلال قويّة وغير قابلة للاحتواء الفوري، فأخذوا وقتهم في تحطيم صورة عناصر الحزب ولم تنفع خطابات نصرالله في استعادة الهيبة، كما لم يستطع جرّ القضاء إلى ملاحقة أهالي شويّا لأنّ التماسك الدرزي كان أكبر من أن تتجاوزه أيّ قوّة حزبية مهما علا كعبُها.


الحدث الثالث: غزوة الثنائي الشيعي لعين الرمانة في تشرين الأول 2021 وكانت الأوضح في التجييش المذهبي ضدّ قاضي التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت، واستغلال الاحتجاج الميداني لضرب عين الرمانة برمزيتها وحساسيتها المعروفة، لكنّ حسابات حقل الحزب اختلفت عن حسابات البيدر، فكان الجيش بالمرصاد وتماسك أهالي عين الرمانة بشجاعة مشهودة لتفشل غزوة الثنائي الشيعي ضدّهم.


فشلت أيضاً المحاولات المستميتة لقيادة الحزب في جرّ القضاء لملاحقة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع رغم الاختراق الذي حقّقه من خلال بعض القضاة، لكنّ تماسك الرأي العام المسيحي وموقف بكركي والتضامن السنّي أسقط إملاءات نصرالله على الأمن والقضاء.


نصب "حزب الله" كميناً للعشائر في المحكمة العسكرية، حمل كلّ عناصر التشفّي وشكّل محاولة لاسترجاع الهيبة بمفعول رجعيّ لكسر شوكة العشائر وجميع معارضيه، في استهداف يجمع بين المذهبية والسياسة والأمن، خاصة أنّ خلاصة الأحكام كشفت ثغرات قانونية أهمّها الإتيان بهيئة جديدة للمحكمة غير مطّلعة على الملف لتصدر أحكاماً مخالفة لمنطق وروح القانون، خاصة أنّها تحاكم الضحية وتتغافل عن المجرم، حيث جاء المشهد فاضحاً بوجود الموقوفين من العشائر وعدم وجود أي متهم من "حزب الله" لأنّ عناصره محميون بالحصانة حتى لو كانوا مرتكبين مثل قاتل الضابط الشهيد سامر حنا، أو من حاول اغتيال النائب بطرس حرب، وقبل هؤلاء جميعاً قتلة الشهيد رفيق الحريري.


جاءت أحكام المحكمة العسكرية الجائرة لتحمل سلسلة رسائل ينبغي الوقوف عندها، أهمها:


ــ إستهداف الجيش ومكانته في الأمن الاجتماعي من خلال ضرب المصالحة التي رعتها قيادته بين "حزب الله" والعشائر، وتجاوز ما كان قد أنجزه لوأد الفتنة وإنهاء الصراع.


ــ ضرب جهود مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان والتقليل من أهمية ما بذله النوّاب السنّة للدفاع عن العشائر لتيئيس الرأي العام السنّي من إمكانية وجود مرجعية دينية أو سياسية قادرة على تمثيله والدفاع عن مصالحه المشروعة.


يريد "حزب الله" أن يثبت للبنانيين أنّه ما زال باستطاعته الانتقام من كلّ من يعترض طريقه في الشارع أو في السياسة وأنّ عناصره محميون بحصانة السلاح، لكنّ هذا لن يعيد هيبة الحزب التي سقطت إلى غير رجعة، وستزيد أحكام القضاء العسكري العشائر صلابة وأهل السنّة قناعة، بأنّ التنازلات لم تجرّ سوى الهزائم وأنّ الصمود هو الخيار الوحيد المتاح.


ما جرى ويجري في القضاء العسكري يؤكِّد ضرورة الانتهاء من هذا القضاء الاستثنائي الذي لا تحتفظ به سوى الدول الديكتاتورية الغارقة في التخلّف، وهذا حديث آخر.