ريتا ابراهيم فريد

طوني خليفة: نحن كنا الثورة في زمن اللاثورات... وأرفض شتم الأديان

13 آذار 2020

10 : 09

لا يمكن التحدّث بسهولة عن تاريخه، فهو تاريخ إعلاميّ بحدّ ذاته. في رصيده أكثر من ثلاثين برنامجاً تلفزيونياً قدّمها في لبنان والدول العربية. هو المحاور السياسي الذي ينتزع بمهارة مدهشة أقوى التصريحات من ضيوفه. وهو الذي طبع بصمة خاصة به حقق من خلالها نقلة نوعية في البرامج الإجتماعية. وهو السبّاق في برامج الترفيه والألعاب والحوارات الفنية.

شديد القسوة على الظلم والظالمين حين يصرخ بالحق. وهو الحنون الذي احتضن عشرات الحالات الإنسانية في برامجه، وكان اليد الممدودة التي شكّلت صلة وصل بينهم وبين أصحاب الأيادي البيضاء.

لم يخفت نجمه يوماً، ولم يتعب من التقدّم نحو الأعلى. فتصدّرت برامجه أعلى نسب المشاهدة.

هو المزيج من الصفات المهنية الإستثنائية والمبادئ والوطنية، التي قلّما تجتمع في شخصية إعلامية واحدة... طوني خليفة.


لا يخفى على أحد أنك الرقم الصعب على الشاشات. واليوم تحديداً أنت الرقم الصعب في البرامج الاجتماعية. ما هي الخلطة التي تعتمدها للحفاظ على الصدارة في هذه البرامج؟

السرّ هو في هذه الخلطة التي لا يمكن أن نكشف عنها. هذه الخلطة التي أستخدمها في برامجي، هي التي مكّنتني من البقاء على مدى خمسة وعشرين عاماً على الشاشة. (ضاحكاً) : لن أخبركم عنها.

في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها المحطات اللبنانية، كيف عدّلت في طريقة عملك كي تحافظ على مستوى جيّد يليق بتاريخك المهني وبمتابعيك؟

الدنيا عبارة عن "طلعات ونزلات". ورغم كلّ التألق الذي يصل إليه أي انسان، ورغم كلّ الحظّ الذي قد يكون لصالحه، لا بدّ من أن يواجه الصعوبات. لكن المهمّ أن يتدرّب على كيفية التعامل مع المراحل الصعبة. وعلى صعيد شخصي، علّمتني الحياة تحديداً في المجال التلفزيوني، أنك حين تتوقف عن الظهور على الشاشة، سيكون من الصعب جداً العودة اليها، وثمن العودة قد يكون باهظاً. ويمكنني في هذا الاطار أن أعطي أمثلة عن زملاء كنت في منافسة معهم خلال فترة سابقة اختاروا في مرحلة معينة الابتعاد بهدف أن يعودوا في وقت لاحق بقوة، لكنّهم لا يزالون حتى اليوم غير موجودين على الشاشة. نيشان مثلاً، عندما قرر أن يبتعد، بقي أربع أو خمس سنوات خارج الشاشة، رغم مروحة العلاقات الكبيرة التي يمتلكها، لم يتمكن من العودة إلا ببرنامج لا يشبهه على قناة "الجديد".

إذاً في مرحلة الأزمة يجب أن نعرف كيف نحافظ على مكاننا أولاً، وما هو قدر التنازلات التي يمكننا أن نقدّمها ثانياً، وكيف يمكننا المحافظة على نوعية عملنا رغم التنازلات ثالثاً. ويجب أن نعرف بماذا يمكننا أن نضحي وبماذا علينا أن نتمسّك.


في حلقة هذا الأسبوع من برنامجك، أثرت جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب تطرّقك الى موضوع الإلحاد، والبعض اعتبر أنك كنت قاسياً في طريقة المعالجة. كيف تردّ؟


شاهدتُ بعض الفيديوات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي فيديوات مجتزأة بطريقة توحي بأنني شتمت الملحدين، بينما ما قلته في حلقة الاثنين كان واضحاً للغاية. وأنا شخص يمتلك جانباً إيمانياً كبيراً جداً، وجانباً علمانياً أكبر، وأعتبر أن حريّة الرأي مقدسة.

في الحلقة أشرتُ الى أنّ الإلحاد هو نمط تفكير وثقافة معينة، ومعظم الملحدين هم من كبار المثقفين، وربما كثرة الثقافة والعلم والتفكير هي سبب اتجاههم الى الجانب الإلحادي. وأنا أحترم الفكر والعلم والطبّ.

لكن كلامي كان موجّهاً بالتحديد الى من يتستّر وراء إلحاده ليتوجّه بالشتائم والسخرية والأذية وقلة الأدب الى المؤمنين. أنا هاجمتُ في الحلقة شخصاً سمح لنفسه بأن يتطاول على مسيحي وديني ونبيّي وإسلامي، وأن يقول عن التراب المقدس براز بشري، فقط لأنه يعتبر نفسه ملحداً. أنا أتقبل الرأي الآخر ويمكن أن أتناقش مع أي شخص ملحد ونتبادل الآراء، لكن لا أقبل أن يقرر أحد بسبب إلحاده أن يشتم الله والأديان والمقدسات والأنبياء. من غير المسموح أن يتفوّه بكلام حقير بحقّ مقدسات يؤمن بها مليارات من الناس. فهل كل هؤلاء الناس أغبياء، وأنتم كملحدين "وحدكم بتفهموا"؟

إحترام فكر ووجود الملحد واجب. لكن في المقابل من واجب الملحد أن يحترم إيماني ووجودي. وقد شدّدتُ خلال الحلقة على أني في كلامي لم أقصد الزميلين رياض قبيسي وجوزفين ديب اللذين تطرقا الى الموضوع من دون أي إساءات أو إهانات.

من المعروف أن القديس شربل هو شفيعك. فما هو موقفك من الموضوع الذي أثير حول التراب؟

أنا ضد هذا الموضوع. ومن يتساهل في هذا الشأن من المسؤولين في دير عنايا، إنما هو يعطي ذريعة لإثارة السخرية بين الناس. وإذا كان القديس شربل يريد أن يقوم بأعجوبة أو بشفاءات، هل هو بحاجة للظهور أمام امرأة في الليل ليطلب منها أن تأتي الى الدير كي تأخذ التراب وترسله الى المستشفى؟ هل أصبحنا هُنا؟ بسبب هؤلاء الأشخاص نحن نعرّض ديننا ومعتقداتنا ومقدّساتنا الى السخرية.

أنا معروف بمدى إيماني بالقديس شربل. لكني أؤيد ما قاله الزميلان رياض قبيسي وجوزفين ديب.

كثيرون مرّوا في حياتك المهنية. كان للبعض منهم تأثير سلبي وللبعض الآخر تأثير إيجابي. إذا طلبنا منك أن تعطينا إسمين (سلبي وإيجابي)، من تختار؟

يمكن أن أختصر كل الناس الذين مرّوا في حياتي المهنية باسم شخص واحد كان لديه التأثيران السلبي والإيجابي، وهو المخرج سيمون أسمر رحمه الله.

تعلّمت الكثير من خبرته ومن تاريخه ومن طريقة تعامله مع الناس ومع عالم التلفزيون. تعلّمت منه أموراً ايجابية كثيرة في الحياة وضعتني على السكة الصحيحة. كان يسعى دائماً الى تقديم التنك (عفواً على التعبير ولكن بالمعنى المعدني) بقالب ذهبي ويلجأ الى خديعة المشاهد. وفي الوقت نفسه عندما تمرّدتُ على مدرسته، و"حفّيت الذهب عن التنك"، تحوّل الى عدوّ كاسر، وكان من الممكن أن يبقيني في منزلي لو لم أكن حاضراً ومدركاً لكيفية التعامل مع تلك المرحلة. وكان الثمن أنني غادرت قناة LBCI وانطلقت نحو حياة إعلامية جديدة على قناة "الجديد". هذا المفترق الصعب كان من الممكن أن ينهي حياتي المهنية.

بالعودة الى البرامج، ما هو البرنامج التلفزيوني الذي تحبّ أن تشاهده، وفي المقابل ما هو البرنامج الذي لا يعجبك؟

أنا أنظر الى الحلقة أكثر من النظر الى مقدّم البرنامج أو البرنامج بحدّ ذاته. يمكن أن يقدّم هشام حداد حلقة جميلة، عندها سأتابعها وسأكون سعيداً جداً بها. ويمكن أن يقدم مارسيل غانم حلقة مميزة فأتابعها وأكون سعيداً بها أيضاً. أو ألبير كوستانيان أو نيشان أو جو معلوف أو طوني بارود. أنا أهتمّ للحلقة ولمضمونها بغضّ النظر عن البرنامج ومقدّمه. وهذا ينطبق أيضاً على برنامجي.


هل هناك مشروع برنامج قريب لك على شاشة عربية؟


الوضع الإعلامي سيّئ في كل البلدان العربية وليس فقط في لبنان. لكن على الرغم من ذلك صوّرتُ حلقة تجريبية لبرنامج جديد، ومن المفترض أن يتم بتّ الموضوع قريباً. وكل شيء مرهون بالظروف الحالية.


ما هو موقفك اليوم من الثورة والثوار، والسياسة والسياسيين؟

أنا أؤيّد الثورة. وأنا ثائر منذ ثلاثين عاماً. نحن كنا الثورة في زمن اللاثورات وفي زمن لم يكن يجرؤ فيه أحد على أن يثور. في زمن الوصاية والنظام الأمني.

أقول هذا الكلام لسبب محدّد. اليوم عندما نقول شيئاً لا يعجب الموجودين في الشارع، يتمّ على الفور تخويننا، وتبدأ العبارات الشهيرة : "قديه قابض" أو "ما هو تاريخك".

طبعاً هناك الكثير من الشرفاء الذين نزلوا الى الشارع، وهناك من قدّموا أرواحهم من أجل الثورة. لكن في المقابل هناك من حاول سرقة هذه الثورة وتحقيق المراكز والطموحات الشخصية. وكانت لديهم أجندات مبرمجة. وأنا أعرف مع أي أجهزة كانوا يتعاملون ومع أي سياسيين، وكم تبلغ ثرواتهم ومن أين أتوا بها. هؤلاء يريدون أن يقوموا بثورة؟ هؤلاء يريدون تقييمنا؟

أنا أريد لبنان المتمثّل بمئات الألوف من الذين نزلوا الى الشارع ببراءة كي يعبّروا عن أوجاعهم. هؤلاء هم المجموعة الأكبر. وهؤلاء لا يؤيّدون سارقي ومشوّهي الثورة. وأنا منهم. وعندما ترشّحت للانتخابات النيابية، قمتُ بذلك بهدف مساعدة الناس، واعتبرت أنّ بإمكاني استخدام منبري الاعلامي ومركزي النيابي لخدمة الناس وحقوقها. أنا أتحدى علناً أي شخص أن يقول أنه أعطاني دولاراً واحداً، أو أهداني ربطة عنق. وأتحدى أحداً أن يثبت أنني زرتُ جهازاً أمنياً في حياتي، أو زرتُ عنجر أو كان لديّ أي علاقة مع أي مسؤول أمني.


MISS 3