مؤشرات نقص الإنتباه وفرط الحركة في سن الرشد

02 : 00

كم شابة "حالمة" عاشت معاناة كبيرة في المدرسة لأنها كانت تظن أنها أبطأ أو أغبى من الأولاد الآخرين؟ إنها مشكلة عدد متزايد من نساء يكتشفن إصابتهنّ باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة في سن الرشد.

تمضي المرأة في هذه الحالة معظم مراحل طفولتها وهي تجد صعوبة في التركيز، إلا في المواضيع التي تثير اهتمامها. تبدأ نوبات فرط التركيز في هذه الظروف بالذات، ما يعني أن يستنتج المعلّمون أن الطفلة لامعة لكن يسهل أن تضجر، أو تلتهي، أو "تمتنع عن بذل جهود كافية" أو "تحتاج إلى تطبيق الدروس بنفسها". يُكتَب هذا النوع من العبارات في التقارير المدرسية في حالات كثيرة.

تكشف "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" في الولايات المتحدة أن اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة هو واحد من أكثر الاضطرابات شيوعاً على مستوى النمو العصبي خلال الطفولة. قد يظهر الخلل بثلاث طرق: نشاط مفرط، أو قلة انتباه، أو خليط من الاثنين.

غالباً ما يظهر نقص الانتباه وفرط الحركة لدى الشابات، ثم النساء في مراحل لاحقة، على شكل قلة انتباه بدل أن تتصاعد مستويات الطاقة بدرجة مفرطة. يتم تشخيص هذا الاضطراب لدى الفتيات في حالات أقل من الفتيان، لكن لا يشير ذلك إلى تراجع عدد الفتيات المصابات بهذه الحالة، بل تبقى الفتاة أقل إثارة للمشاكل بشكل عام. نتيجةً لذلك، قد تشتبه المرأة بوجود خطبٍ ما للمرة الأولى حين تصطحب أولادها للتأكد من التشخيص، أو عندما تطلب المساعدة لمعالجة قلقها أو اكتئابها في سن الرشد.

يقول الدكتور نورمان زيمرمان، طبيب نفسي يهتم باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة: "ينتشر مفهوم تقليدي خاطئ مفاده أن نقص الانتباه وفرط الحركة حكر على الفتيان كثيري الحركة. قد تكون الفتاة المصابة بهذا الاضطراب حيوية ودائمة الحركة، وغالباً ما تنجح في نقل هذه الطاقة إلى النشاطات الرياضية، أو قد تثير المشاكل في الصف أحياناً. لكن تهتم الفتاة عموماً بنظرة الآخرين إليها وتحاول الاختباء بكل هدوء. بعبارة أخرى، قد تكون الفتاة أقل حركة ظاهرياً، لكن ينجم هذا السلوك عن جهود كبرى، فهي تتابع الشعور بالتخبط والاضطراب".

تعترف ميشيل (50 عاماً) بأنها بدأت تشتبه بإصابتها بنقص الانتباه وفرط الحركة حين كانت تدردش مع صديقتها: "صديقتي ممرضة في قسم الصحة النفسية العيادية وزوجها مصاب بنقص الانتباه وفرط الحركة. بدا جزء من السلوكيات التي ذكرتها مألوفاً لي. رحتُ أفكر بوجود أشخاص يشبهونني. لقد استفدتُ من معرفة مشكلتي. شعرتُ بالراحة حين علمتُ أن آخرين يتعايشون مع الحالة نفسها وأنني لستُ فاشلة وغير كفوءة. من المفيد أن نعرف بوجود أدوات فاعلة للسيطرة على المشكلة. قد لا تخفّ التحديات التي أواجهها على مستوى التنظيم، والتشتت، والانفعال، لكني أستطيع التحكم بعملي والبيئة المحيطة بي بشكلٍ أفضل من السابق. لو عرفتُ بهذا التشخيص سابقاً، كنتُ لأحصل على أدوات مناسبة لمساعدتي على التحكم بالمشكلة في مرحلة أبكر بدل أن أقنع نفسي بأنني سبب المشكلة. وربما ما كنتُ لأحصر خياراتي المهنية بسبب القناعات السلبية التي أحملها عن نفسي. سأواجه صعوبة دائمة في مسائل مثل الأعمال المنزلية، ودفع الضرائب، وتحضير ملفي الشخصي. أنا لا أكف عن إعداد القوائم، لكني لا أنظر إليها مطلقاً. قد تبدو لي الحياة غامرة وفوضوية في أوقات كثيرة، لكني تعلّمتُ أن أتعايش مع هذا الوضع. تتعلق النقطة الأساسية بإيجاد الحل المناسب. ما زلتُ أشعر أحياناً بأنني فاشلة لأني امرأة في الخمسين من عمرها وأعجز عن الحفاظ على نظافة غرفتي. تتابع والدتي البالغة من العمر 80 عاماً التذمر لأنني لا أدفع فواتيري بالشكل المناسب. لكني لم أعد أحاول أن أكون مثالية. لدي أسلوب حياة مختلف، وأصبحتُ أكثر واقعية في توقعاتي الآن".

في حالة أخرى، اشتبهت لورا (37 عاماً) بمشكلتها حين ظهرت مقالة أمامها بعنوان "كنتُ أظن أنني كسول...". وصفت تلك المقالة مجموعة خصائص تنطبق عليها. تعليقاً على الموضوع، تقول لورا: "كنت أجري أبحاثاً عن التوحد ونقص الانتباه وفرط الحركة لأولادي. تطرقت تلك المقالة إلى تراجع الوظيفة التنفيذية، والعجز عن مواكبة تطورات الحياة، وصعوبة الالتزام بالمواعيد وغسل الملابس والقيام بالأعمال المنزلية، وذكرت أيضاً أعراض القلق والاكتئاب التي ترافق هذه الحالة. بدأ نقص الانتباه وفرط الحركة يطرح مشكلة في حياتي في العام 2006. قبل هذه الفترة، مرّت مرحلة الدراسة الثانوية والجامعية بلا مشكلة لأنني كنت أحب المواد التي أتعلّمها. لكن بدأ كل شيء ينهار حين رحلتُ من منزلي وتزوجتُ وتابعتُ تحصيلي الجامعي. اضطررتُ لتنظيم تجاربي بنفسي. سرعان ما بدأت أعباء المُهَل النهائية والحوافز الذاتية تلقي بثقلها عليّ، وزادت صعوبة إتمامي للأعمال المنزلية. كذلك، تصاعد ضغطي النفسي بعد إنجاب الأولاد. كانت تجربة الأمومة فوضوية بامتياز. كان ولدانا مصابَين بمشاكل في النمو، وكنتُ أعمل لساعات تفوق طاقتي، فشعرتُ بضغط نفسي متزايد مع مرور الوقت. لم أشعر يوماً بأنني قادرة على الخروج من هذه الدوامة".

تلقّت لورا علاجاً طويلاً للقلق والاكتئاب، لكنّ جزءاً من المقالات التي راجعتها جعلها تبحث عن أجوبة مختلفة في "الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية"، وهو الدليل الرسمي لتشخيص التنوع العصبي والأمراض النفسية.

تضيف لورا: "لم أكن متأكدة بعد من إصابتي بنقص الانتباه وفرط الحركة لأني كنت أعلم أن هذه التحديات كلها مشتركة بين الناس في العالم المعاصر. لكن حين زادت معلوماتي عن الموضوع، بدأت شكوكي تزيد. تكلمتُ مع طبيبتي لاحقاً، فأحالتني إلى اختصاصي في هذا المجال. طرح عليّ هذا الأخير أسئلة كثيرة واستنتج في النهاية أنني مصابة بنقص الانتباه وفرط الحركة فعلاً. تبيّن أن جزءاً من الأعراض التي كنت أنسبها إلى القلق يتعلق بهذه الحالة بالذات. كان هذا التشخيص مفيداً جداً، وقد ساعدتني جرعة متدنية من الأدوية في معالجة النسيان والتشتت. لكن لم يكن الدواء العلاج السحري الذي كنت أبحث عنه لأنه سبّب لي خفقاناً في القلب، وأنا مصابة أصلاً بمرض قلبي يحتاج إلى مراقبة مستمرة. لكن ساعدني التشخيص على تقبّل نفسي. بدأتُ الآن أتقبّل حاجتي إلى تمضية عطلة نهاية الأسبوع كلها لتعلّم أشياء ممتعة لأني اقتنعتُ بأن دماغي يعمل بهذه الطريقة. لم أعد أشعر بأنني غريبة الأطوار. أنا أشارك في مجموعة لدعم النساء حيث تواجه المشارِكات الأخريات الصراعات نفسها ويملكن نقاط قوة مشابهة. أعتبر النكات مفيدة أيضاً لأنها تساعدني في الضحك على نفسي. نشرت امرأة أخرى نكتة مفادها: "أنا لا أملك قطار تفكير واحد بل عدداً من القطارات، وأشعر بأنها توشك على التصادم".

تشتبه جوي (40 عاماً) من جهتها بأن اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة وراثي في عائلتها. منذ تشخيص المشكلة لديها، بدأت تتساءل عن حالة والدتها، وشقيقتها، وابنتها: "تلقى ابن شقيقتي هذا التشخيص منذ فترة طويلة، وهو في الثلاثينات من عمره اليوم، ويمكنني أن أرصد نقاط تشابه واضحة بيننا. كلانا مصاب بفرط التركيز. كان تشخيص حالتي رسمياً كفيلاً بتغيير حياتي. أصبحتُ أكثر قدرة على فهم طريقة عمل دماغي. أنا فخورة بقدرتي على التحكم بحالتي خلال هذه الفترة الطويلة. لكني أستطيع الآن أن أسيطر عليها استناداً إلى تدريبات لمكافحة نقص الانتباه وفرط الحركة وتطبيقات خاصة بهذه الحالة، وقد بدأتُ للتو بأخذ دواء أفادني كثيراً. بدأت مرحلة التشخيص حين زرتُ طبيبي العام. طلب مني هذا الأخير أن أشارك في "استبيان جاسبر/غولدبيرغ لنقص الانتباه وفرط الحركة لدى الراشدين". قمتُ به وحصلتُ على علامة 93 التي تضعني في خانة المصابين بهذا الاضطراب في سن الرشد. ثم أحالني إلى طبيب نفسي متخصص بهذه الحالة. بعد مرور خمس دقائق على بدء ذلك الموعد الطبي، أخبرني الطبيب بأنني مصابة بحالة كلاسيكية من نقص الانتباه وفرط الحركة".

ثم بدأ الطبيب النفسي تقييماً عميقاً يشمل مراجعة تقاريرها المدرسية القديمة وأدائها العام بحسب تقييمات أرباب عملها السابقين، وطلب معلومات من زوجها، وراجع وضع صحتها النفسية العامة.

تضيف جوي: "كانت تقاريري المدرسية القديمة تذكر عبارات كالتالي: "تلميذة لامعة جداً لكنها تجد صعوبة في إنهاء المهام". كذلك، كانت تقييمات أدائي تحمل تعليقات عن مشاكل في إدارة الوقت. كان فهم حالة نقص الانتباه وفرط الحركة كفيلاً بتغيير علاقتي مع زوجي. كنا نتشاجر دوماً لأنني أنسى المهام وأتخبط لإنهاء الأعمال المنزلية. كنتُ أشعر بتعب دائم، وكأنني مُنهَكة طوال حياتي. لكني أشعر الآن بأنني أستطيع التركيز على مهام بالغة الدقة".

في النهاية، يستنتج زيمرمان: "تكثر المشاعر المختلطة عند تلقي تشخيص جديد يشير إلى نقص الانتباه وفرط الحركة في سن الرشد. قد يشعر الفرد براحة شديدة حين يفهم ما يصيبه أخيراً. يقول الكثيرون مثلاً إنهم كانوا مقتنعين في أعماقهم بأنهم أذكياء وكفوئين، وهم يعبّرون عن تفاؤلهم بنتائج العلاجات المحتملة. لكنهم يشعرون في الوقت نفسه بدرجة من الحزن على "السنوات الضائعة" قبل التشخيص. يتعلق أهم عامل بفهم تفاصيل هذه الحالة. سيكون تقبّل أهمية الدواء لمعالجة المشكلة الأهم على الإطلاق. عملياً، لا تستطيع أي مقاربة سلوكية أو نفسية أن تسيطر على هذه الحالة بفاعلية تضاهي الأدوية. يجب أن يفهم الجميع أن نقص الانتباه وفرط الحركة هو اضطراب دماغي (لكنه قابل للعلاج لحسن الحظ). الأمر أشبه بوضع من يحتاجون إلى نظارات للقراءة. لن يتمكن هؤلاء من الاستغناء عن النظارات من خلال إغلاق عيونهم جزئياً ومحاولة القراءة بلا مساعدة".


MISS 3