ريتا ابراهيم فريد

الخوف المفرط من "كورونا"... قلق قد يصل حدّ الإكتئاب

17 آذار 2020

10 : 00

"إذا ما متنا من الكورونا، رح نموت من القلق والخوف". عبارة نشرها أحد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بشكل ساخر، إلا أنها تعكس واقعاً بات يعاني منه كثيرون اليوم، في ظلّ ازدياد عدد الإصابات والوفيات بفيروس كورونا في لبنان. ولأنّ الوقاية ضرورية، نشطت الحملات الإعلامية بمواكبة من وزارة الصحة لحثّ الناس على ملازمة منازلهم والتنبّه من الإختلاط وغسل اليدين باستمرار. لكن البعض وصلت بهم الوقاية حدّ الوسواس. لم يكتفوا بملازمة المنزل، بل امتنعوا عن الخروج حتى من غرفتهم. أدمنوا على استعمال المعقّمات والمطهّرات حتى لو تواجدوا طوال الوقت في المنزل من دون أن يلتقوا بأيّ شخص. فهل هذا الأمر طبيعي ومبرّر؟



تشير المحللة والمعالجة النفسية الدكتورة أيفي كرم الى أنّ الوصول الى مرحلة الوسواس يعود الى كون الشخص يعاني في الأساس من خوف زائد، وحين يبرز عامل خارجي (في هذه الحالة العامل الخارجي هو فيروس الكورونا) يحرّك عنده هذا الجانب من الخلل النفسي الذي يسمى OCD. وأضافت في حديث لـ"نداء الوطن" أن الناس في الفترة الحالية التي نمرّ بها تعاني بمعظمها من القلق الشديد، وبالتالي فهذه الحالة طبيعية اليوم كوننا نتعرّض الى وباء خطير، ونسبة الوفاة من جرائه لا يستهان بها. والأهمّ أننا لا نثق بأهلية وإمكانيات المستشفيات اللبنانية على استيعاب الوضع.

وعن ازدياد الهلع بسبب عدم توفّر علاج للفيروس، أوضحت كرم أنّ العقل البشري يملك ثقة كبيرة بحبّة الدواء التي يلجأ غالباً إليها. وبمجرّد أن نقول له أن لا دواء لهذا الفيروس، يدخل الفرد حكماً في دائرة الرعب والقلق الشديد.

رعب قد يتجّه نحو أفكار إنتحارية

حالة الرعب الشديد لم تقتصر على الوسواس، بل تحوّلت عند البعض الى أفكار سوداء وميول إنتحارية. هو شعور يمنع الفرد من النوم، ويدفع به الى التفكير بالموت الإختياري كوسيلة وحيدة يلجأ إليها للخروج من حالة القلق والخوف، لا سيما وأنّ جميع المنافذ الأخرى مغلقة. إذ يعتبر البعض أنّ الموت قد يكون أكثر حرية من الاستسلام لفيروس قد يصيبهم ويجعلهم مصدر خطر على الآخرين. فكثيرون لا يأبهون بأنفسهم ولا يكترثون إن أصيبوا بالعدوى، بقدر ما يخشون من نقلها الى من يحبّون.

في هذا الإطار أشارت الدكتورة كرم الى "أننا اليوم في وضع يمكن وصفه بالغريب والجديد. ولو لم نكن في مثل هذا الوضع، لكنت قلت إن الشخص الذي يفكّر في الانتحار يجب أن يتمّ عرضه على طبيب أو معالح نفسي. لكن بحكم ضرورة الحجر المنزلي، وإلزامية عدم التنقّل، وبالتالي تعذّر إمكانية زيارة طبيب أو معالج نفسي، أطلب من المحيطين بهذا الشخص أن يحتضنوه ويحاولوا تخفيف شعور الاكتئاب لديه، وأن يفسّروا له بشكل دقيق أنّ الكورونا بالمبدأ ليس من الأمراض التي تعذّب الانسان، وأنّ معظم المرضى يتخلّصون منه من دون عذاب وألم". وأضافت أنه من الممكن أيضاً أن يلجأ الشخص الى معالج نفسي ويتواصل معه "أونلاين" عبر السكايب او عبر تقنية اتصال الفيديو، ليتمكن المعالج من حمـــايته في المرحلة الراهنة.


المبالغة في الاستهتار: نكران كامل للواقع

بالمقابل، لا بد هنا من الاشارة الى نوع آخر من الناس، وهم الذين يبالغون في الاستهتار ويتابعون حياتهم بشكل طبيعي، ويتنقّلون من مكان الى آخر للتسلية ربما، أو يقومون بالزيارات ويحتكّون بمصابين بالكورونا، ويقومون في اليوم التالي بزيارة أشخاص آخرين من دون أي اهتمام الى خطورة أفعالهم. عن هؤلاء الأشخاص أشارت الدكتورة أيفي الى أنهم على عكس الـOCD ، إنما هم يعيشون نكراناً كاملاً للواقع. وتابعت :"اليوم لا يجب أن نكمل حياتنا الطبيعية وكأنّ شيئاً لم يكن، لكن لا يجب أيضاً أن نعيش حياة الخوف الهستيري. يجب أن نكون على قدر المسؤولية ونتمكن من استيعاب الموضوع بشكل ناضج، وأن نعزل أنفسنا من دون أن نثير الرعب في أنفسنا وبين المحيطين بنا، لكي نتخطى هذه المرحلة التي يمرّ بها العالم بأجمعه".





النفسية السليمة تُعزّز المناعة لتخطّي المرض

من جهة أخرى، والى جانب الخوف من المرض، كان للبقاء في المنزل تداعيات سلبية بشكل خاص على الأشخاص المعتادين على الخروج ولقاء الأصدقاء والسهر. وهُنا تأتي أهمية الوعي، وضرورة إقناع الفرد نفسه بأنّ ملازمة المنزل هي مناسبة للتقرّب من أفراد أسرته وتمضية أوقات ممتعة سوية، ربما لم نكن نستطيع أن نمضيها سابقاً بسبب انشغالات الحياة، وفقاً للدكتورة كرم. وأردفت :"فلنعتبرها فرصة سنوية. ولنقم بنشاطات منزلية عائلية ممتعة. يمكن مثلاً أن نخرج الى الرياضة الطبيعية إن كنا نعيش في منطقة جبلية مثلاً، ونمشي في الطبيعة بعيداً عن الناس لكي لا نعرّض أنفسنا ولا نعرّضهم لأي نوع من الخطر. فليس من الضرورة أن نبقى قابعين بين جدران المنزل". وعن قدرة الإنسان على تحمّل وتخطّي هذه المرحلة، لفتت الى أن هذا الأمر يعود الى تركيبة شخصية كلّ فرد. فهناك أشخاص مهيّئين لتخطي الأزمات، ولكن آخرين يغرقون في المشكلة ويصبحون بحاجة الى علاج. وتابعت :"ليتمكن الفرد من اجتياز مرض الكورونا، يجب أن يكون جهاز المناعة لديه عالياً جدا". ومن أهمّ الأسباب التي تجعل جهاز المناعة قوياً هي الحالة النفسية السليمة. فإذا وضعنا أنفسنا في حالة نفسية غير سليمة، فإنّ هذا الأمر من شأنه أن يخفّف من عمل جهاز المناعة لدينا، وبالتالي نصبح عرضة لالتقاط المرض بنسبة أعلى".


MISS 3