"أحاديث" كهربائية بين الفطريات بعد هطول الأمطار

02 : 00

فطر لاكاريا بيكولور

في دراسة جديدة، اكتشف علماء في اليابان تلميحات مثيرة للاهتمام مفادها أن المطر قد يدفع بعض أنواع الفطر إلى التواصل في ما بينها عبر استعمال إشارات كهربائية تحت الأرض.

ركّز الباحثون على أنواع صغيرة وداكنة من الفطريات المعروفة باسم "لاكاريا بيكولور"، فتبيّن أنها تنمو في تربة غابة ثانوية ومختلطة في "مركز كواتبي للعلوم الميدانية" في جامعة "توهوكو" في اليابان.

يطوّر هذا الفطر علاقات تكافلية مع بعض النباتات، بما في ذلك أشجار كبيرة مثل البلوط والصنوبر. هو يزيد كمية المياه والمغذيات فيه مقابل الكربوهيدرات.

كانت أبحاث سابقة قد استنتجت أن فطر "لاكاريا بيكولور" قد يساعد بعض الأشجار على تغذية الحيوانات بطريقة غير مباشرة، فيجذب حشرات مثل قافزات الذيل وقد يقتلها بنوع من السموم، ثم يتقاسم نيتروجين الحيوان مع الأشجار المضيفة.

تُطوّر فطريات مثل "لاكاريا بيكولور" أغلفة جوفية حول الجهة الخارجية من جذور الشجرة. تكون تلك الأغلفة مصنوعة من خيط فطري (خيوط مشابهة للجذور تعزز نمو الفطريات). عندما تتصل تلك الخيوط في الفطريات الجذرية ببعضها البعض تحت الأرض، تنتج أنظمة مترابطة تُعرَف باسم الشبكات الجذرية. وحين تنشط هذه الشبكات، تتواصل غابات بأكملها في ما بينها عبر إشارات كيماوية في أسفل جذور الشجرة والفطريات الجذرية.

قد تكون الشبكات الجذرية حقيقية، لكن تتراجع الأدلة التي تثبت أنها تصل إلى نطاق وتعقيدات شبكات الأشجار. يظنّ بعض العلماء أن المعلومات الشائعة عن هذه الظاهرة مبالغ فيها.

مع ذلك، تضاف الدراسة الجديدة إلى أبحاث متزايدة تغوص في تفاصيل تلك العلاقات، فتكشف معلومات مبهرة عن طريقة عملها.

ذكرت دراسات سابقة أن الفطر ينتج مجموعات متنوّعة من الجهد الكهربائي رداً على التغيّرات الحاصلة في البيئة المحيطة، وتكشف أدلة معينة أن تلك الإشارات تتضمن شكلاً من التواصل.

رصدت دراسة من العام 2022 مثلاً أنماطاً من النشاطات الكهربائية المشابهة للأعصاب في بعض الفطريات، بما يشبه بنية الخطاب البشري. كذلك، حدّدت الدراسة حتى 50 "كلمة" مختلفة أو مجموعة من الزيادات في النشاط الكهربائي الذي تنتجه الشبكات الفطرية.

ذكرت أبحاث سابقة أيضاً أن النباتات تستطيع إرسال إشارات كهربائية سرية تحت الأرض، وقد تفعل ذلك من دون مساعدة الفطريات الجذرية.

سبق ورصد العلماء ارتفاعاً فائقاً في الجهد الكهربائي في الفطريات، وتحصل هذه العملية أحياناً عند التفاعل مع المياه أو حوافز أخرى. لكن يقول المشرفون على الدراسة الجديدة إن الدراسات بمعظمها ركّزت حتى الآن على أنواع محدودة من الفطريات التي تنمو في بيئات اصطناعية أو يتم جمعها من حقلٍ يخضع لظروف مخبرية.

في الدراسة الجديدة، وَصَل الباحثون أقطاباً كهربائية بمجموعة من ستة فطريات من نوع "لاكاريا بيكولور" كانت تنمو في أحد ممرات الغابات. كان ذلك الفطر ينمو بالقرب من شجرة بلوط وشجرة شعاع البوق ذات البراعم الفضفاضة. قد تكون هاتان الفصيلتان جزءاً من الأشجار التي تقيم علاقات تكافلية مع فطر "لاكاريا بيكولور".

راقب الباحثون الجهد الكهربائي في الفطر (يُقاس هذا المعيار بوحدة ميلي فولت) طوال يومين في أواخر شهر أيلول وبداية تشرين الأول 2021. كان موقع الدراسة في الأصل مشمساً وجافاً، ولم تهطل فيه إلا أمطار طفيفة في آخر 12 يوماً.

لكن تغيّر هذا الوضع في 1 تشرين الأول، حين ترافق إعصار "ميندول" مع هطول 32 ملم من الأمطار. بعد ساعة أو ساعتين على تساقط تلك الأمطار، ظهرت إشارات جديدة على نشاط الفطريات.

يقول عالِم البيئة الميكروبية، يو فوكاساوا، من جامعة "توهوكو": "في البداية، تراجع الجهد الكهربائي في الفطريات، وقد نسبنا هذا الوضع إلى قلة الأمطار. لكن بدأ الجهد الكهربائي يتقلّب بعد هطول الأمطار، حتى أنه فاق عتبة المئة ميلي فولت أحياناً".

يوضح فوكاساوا وزملاؤه أن تلك التقلبات ترتبط بتغيّر مستوى هطول الأمطار ودرجات الحرارة، ويشير تحليل الإشارات الكهربائية بعد تساقط الأمطار إلى نقل تلك الإشارات بين الفطريات.

كان نقل الإشارات قوياً على نحو خاص بين الفطريات الواقعة على مسافة أقرب من بعضها البعض في تربة الغابة، ما يثبت تحرّكها في اتجاه محدّد.

لا تُعتبر نتائج الدراسة الجديدة جازمة بأي شكل، لكنها تسمح بحل جزء آخر من المعضلة المتعلقة بدور الفطريات في الأنظمة البيئية التي يغفل عنها الكثيرون وتختبئ تحت أرضية الغابات.

في النهاية، يستنتج فوكاساوا: "تؤكد النتائج التي توصلنا إليها ضرورة إجراء دراسات جديدة حول الجهد الكهربائي في الفطريات داخل نظام بيئي حقيقي".


MISS 3