طوني فرنسيس

هُزمت إسرائيل ولم ينتصر لبنان

25 أيار 2023

02 : 00

عندما انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان قبل 23 عاماً حقق اللبنانيون انجازاً وطنياً هائلاً. لم تكن تجربة الدول العربية مع الغزوات الإسرائيلية تسمح بتوقع ما حصل في لبنان، فاسرائيل احتلت الجزء الأكبر من فلسطين في عام 1948 ثم استولت دفعة واحدة في 1967 على سيناء وقطاع غزة الذي كان تحت السلطة المصرية، وعلى الضفة الغربية الملحقة بالأردن ومعها الجولان السوري، ولم تخرج من سيناء الا بمقتضى معاهدة سلام. أمّا الضفة فاستمرت تحت الاحتلال رغم اتفاقات أوسلو، والقطاع أُخلي في 2005 ليبقى محاصراً حتى اليوم، والجولان السوري جرى ضمه منذ 1981 ولا يزال تحت السيطرة الإسرائيلية من دون أي جهد سوري «مقاوم» لاستعادة هذا الجزء العزيز من الأرض.

لم تعتد إسرائيل الانسحاب طوعاً من أرض احتلتها، لكنها اضطرت لتجرّع سمّ الانسحاب من لبنان بعد مقاومة لبنانية متواصلة منذ السبعينات، تبلورت خصوصاً في الثمانينات بإطار جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية قبل أن يُنشأ «حزب الله» على يد الحرس الثوري الإيراني ويعتمده النظام السوري طرفاً وحيداً مُخوّلاً بالتحرير.

ضحّت مختلف جبهات المقاومة اللبنانية بالكثير قبل أن يضطر الجيش الإسرائيلي للانسحاب من دون شروط. كان ذلك اليوم يوماً تاريخياً بكل المقاييس، وكان يُفترض أن يتحول إلى فرحةٍ وطنية عارمة ونقطة انطلاق لإعادة بناء الدولة والاقتصاد والعمران، إلا أن ذلك لم يحصل، بل بالعكس دخل لبنان في نفق أسود هو أسوأ من نفق الاحتلال. فضد العدو الخارجي يمكن السعي إلى حشد القوى للتركيز على استعادة الأرض وطرد محتليها، ثم الانصراف للاحتفال بالبناء والتنمية، لكن أن ينتهي الاحتلال وتبدأ مرحلة جديدة من إسقاط الدولة وتفتيت المجتمع، فهذا ما كان أحد ليتصوره في أعلى كوابيسه.

لم تتحول سنوات التحرير إلى سنوات نهوض واستقرار، فقد التقى مشروع النظام السوري مع المشروع الإيراني على إبقاء لبنان ساحة ومنصة اختبار. كان ذلك يقتضي تخريب الوضع الداخلي إلى أقصى الحدود، والأدوات كانت كثيرة والنتائج جاءت كارثية. اغتيالات وحروب (تموز 2006) وغزوات وانهيارات اقتصادية واجتماعية تُوجت بكارثة 2019 المستمرة وتفجير مرفأ بيروت في جريمة عظمى لا موقوف فيها ولا تحقيق، فيما تواصل سلطة الميليشيات والفساد تربّعها على ظهر الوطن المُحرر.

كان يمكن لعيد التحرير أن يكون عيداً حقيقياً لو أنّ لبنان تحررّ فعلياً قبل 23 سنة. لقد تخلص من الاحتلال الإسرائيلي لكنّه سقط في فخ مشروع إقليمي لا زال يكبله ويمنع عيده أن يكون عيداً. ولو كان الأمر غير ذلك لما كنا اليوم غارقين في وحول الأزمات من كل نوع في غياب دولة كان يمكنها أن تكون رائدة لو كانت هزيمة إسرائيل في عام الفين هزيمة حقيقية. لقد هزمت إسرائيل لكن لبنان لم ينتصر حتى إشعار آخر.


MISS 3