سعيد غريّب

البابا والبطريرك وماكرون

1 حزيران 2023

02 : 00

ماذا سيفعل الفاتيكان؟ بل ماذا يستطيع أن يفعل لمسيحيي المنطقة عموماً وللبنان بصفة خاصة بعدما قاربت الرئاسة اللبنانية المستحيل؟ وكيف الخروج من النفق المظلم بعدما بات الكيان اللبناني على المحك، في ظل عدم انتظام مؤسساته الدستورية وآلياتها الديموقراطية؟



سؤال يُتبع بسؤال مكمّل: ماذا سيفعل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في كل من الفاتيكان وباريس، بل ماذا يستطيع أن يفعل كلّ من البابا فرنسيس والرئيس ايمانويل ماكرون للبنان؟



ورغم نفي مصادر فاتيكانية تكراراً، ومنذ سنين، وجود أخطار على وضع المسيحيين وكنيستهم في لبنان، وفيما يجنح البعض إلى تحميل الكنيسة المارونية مسؤولية الاخفاق في انتخاب رئيس للجمهورية، يتوجس أبناء الطائفة المارونية عموماً، ومعهم سائر أبناء الطوائف اللبنانية، إلى درجة الرعب، مما سوف تخبئه التطورات المتسارعة في المنطقة. ولطالما عبّرت الطوائف اللبنانية غير المسيحية عن مرارتها من تصور لبنان من دون المسيحيين، وأظهرت حرصها على الموقع الأول الماروني في لبنان لربما أكثر من الموارنة أنفسهم الذين أغرقتهم الخلافات المستحكمة في ما بينهم، حتى قيل إنّ البعض يفضّل الابقاء على الفراغ خدمة لمصالحه.



وفي ظلّ التحولات الكبرى التي تخضّ العالم، وانقلاب التحالفات، تتعاطى أوساط لبنانية متابعة بحذر شديد مع ما يدلي به قادة الدول الكبرى حول ضرورة انتخاب رئيس لبنان من دون تدخل أو ضغط من القوى الاقليمية التي تعطّل الاستحقاق. وتعوّل الأوساط نفسها، ومن دون كبير أمل، على ما يمكن أن يسفر عنه التعاطي الفاتيكاني مع الملف اللبناني من امكانية خرق، بالتوازي مع دخول غير عاصمة عربية على الخط، واستمرار فرنسا بقيادتها الحالية في محاولاتها فتح ثغرة جديدة في الجدار وحل كلمة السر الاقليمية.



وبعد، هل صحيح أنّ الكنيسة المارونية عاجزة عن ايجاد حل لموضوع الرئاسة؟ لا شك أنّ مهمة الراعي من أصعب المهمات التي مرّت على البطاركة الموارنة. وقد لا يكون لطيفاً أن نقلب الأدوار لنعظ السادة الأحبار والبطريرك نفسه، الا أنّ مسؤولياتهم اليوم تجاه الطائفة ومسؤوليات الطائفة تجاه لبنان أصبحت كبيرة بحجم العصر الذي نعيش فيه.



وقد لا يكون من المستحسن أيضاً وعظ السادة الزعماء الموارنة، في وقت يكادون لا يلقون التحية على بعضهم حتى في صالونات التعازي، ولكنّ علينا التذكير فقط بأنّ الموارنة وهم أول المتمسكين بقيام لبنان يجب أن يظلوا ثابتين بل آخر المتمسكين ببقائه.



إنّ لبنان يستحق اليوم كباراً، لأن ما يحدث يجعل المنطق عاجزاً، والناس تنظر بعضها إلى بعض وكأنها لا تنظر، وتسمع وكأنها لا تسمع، وتحكي وكأنها لا تصدق، فكأنّ اللبنانيين أصبحوا غير اللبنانيين وكأن لبنان غير لبنان.



مشكوران سلفاً قداسة البابا والرئيس ماكرون على سعيهما، لكن السؤالين المتلازمين يتكرران: ماذا يستطيعان فعله للبنان؟ وبمَ سيأتي البطريرك الراعي من الفاتيكان وباريس؟ صحيح "أنّ الله لا يغير بقوم حتى يغيروا هم ما بأنفسهم"، وفق ما تقول الآية الكريمة، ولكن الخوف، كل الخوف سائد في انتظار هذا التغيير المرتجى، فيما المنطقة التي نعيش على ايقاعاتها تنذرنا بتقلبات ترسي تردداتها على ساحتنا. وتضج بنا التساؤلات حول نبض العالم القائم اليوم واستحقاقاته في كياننا. فهل تتجه الامبراطوريات الناهضة والمتحركة اليوم إلى قلب المعادلات وارساء قواعد جديدة؟ وكأننا في لحظة موت عالم قديم يمثل كياننا جزءاً منه!



وبعد، هل نحن اللبنانيين نعود إلى التاريخ القديم؟ هل نفتح صفحاته؟ هل نتوقف عند عبارة وردت في التوراة: "إفتح أبوابك يا لبنان تأكل النار أرزك"؟ يا سادة إحموا أبواب لبنان.            

MISS 3