التباعد الاجتماعي أساسيّ لاحتواء كورونا!

04 : 40

يقول الباحثون إن تسارع انتشار فيروس كورونا الجديد ينجم على الأرجح عن تحركات الناس الذين أصيبوا بأعراض خفيفة جداً أو لا يواجهون أي أعراض. لهذا السبب، يُعتبر التباعد الاجتماعي تدبيراً مهماً لاحتواء الوباء.

ينشغل العلماء وخبراء الصحة العامة اليوم بعدد من الأسئلة، أبرزها: لماذا ينتشر فيروس كورونا الجديد بهذه السرعة في مختلف بلدان العالم؟ وما سبب هذه الظاهرة رغم توسّع الضوابط على السفر أكثر من أي وقت مضى؟

يزداد عدد الباحثين المقتنعين بالفرضية القائلة إن هذا الوضع ينجم على الأرجح عن عدم معرفة الناس بإصابتهم بالفيروس نتيجة غياب الأعراض أو تراجع حدّتها.

في دراسة أولية جديدة، يذكر البروفيسور تشاولونغ وانغ وزملاؤه من جامعة "هاوزهونغ" للعلوم والتكنولوجيا في مدينة "ووهان" الصينية، أن أكثر من 50% من الحالات خلال انتشار الوباء المريع في مدينتهم كانت غير مؤكدة، وربما شملت تلك الحالات أشخاصاً بقيت أعراضهم خفيفة أو معدومة، لذا تابعوا نشاطاتهم الاجتماعية من دون أي رادع.

لم تُنشَر هذه الدراسة بعد في أي مجلة علمية مرموقة، لكنها أصبحت متاحة على بعض المواقع الإلكترونية.

الحالات الخالية من الأعراض تنقل الفيروس أيضاً!

في الدراسة الجديدة، طوّر الباحثون طريقة لتوقع أنماط نقل الفيروس وأخذوا بالاعتبار حركة السكان والحالات غير المؤكدة والمجموعات التي تقيم تحت الحجر الصحي.

كذلك، أخذت التقديرات بالاعتبار 25961 حالة مؤكدة من فيروس "كوفيد - 19" من بين تلك التي سجّلها المسؤولون الصينيون حتى 18 شباط 2020 في محافظة "هوبي" الصينية.

لكن اكتشف الباحثون أن العدد الفعلي لحالات "كوفيد - 19" بحلول ذلك التاريخ بلغ 36798 إصابة تقريباً.

هذه الأرقام قد تفسّر انتشار الفيروس بقوة في المنطقة. يفترض العلماء أن نسبة كبيرة من الناس التقطت الفيروس من دون أن تعرف ذلك، لذا تابع هؤلاء نشاطاتهم الاجتماعية.

يوضح المشرف الرئيس على الدراسة، وو تانغ تشون: "وفق تقديراتنا، تابع 59% من المصابين على الأقل التنقل بكل حرية، من دون أن يخضعوا للفحوصات، ما يعني أنهم نقلوا العدوى إلى الآخرين. قد تفسّر هذه الفرضية سبب انتشار الفيروس بهذه السرعة الفائقة في "هوبي" وتفشّيه راهناً حول العالم".

كذلك، يظن الباحثون أن مقاربات التباعد الاجتماعي منعت حتى 90% من الحالات المُعدِية بعدما فرضها المسؤولون في البلاد.

طريقة واحدة لكبح العدوى

تطرح دراسات أخرى استنتاجات مماثلة. وفق تحليل نموذجي إحصائي نشرته مجلــة "المراقبة الأوروبية" مثلاً، لم يواجه عدد كبير من الأشخاص الذين التقطوا الفيروس على متن سفينة "دايموند برنسيس" أي أعراض.

ثم في شهر شباط الماضي، اكتشف عدد من الركاب أنه يحمل فيروس "كوفيد - 19" بعد الخضوع للفحوصات، ما أدى إلى انتشـــار العدوى على متن السـفينة. فسارعت السلطات المعنيّة إلى الإعلان عن وضع السفينــــــة تحت الحجر الصحي طوال 14 يوماً.

يذكر المشرفون على التحليل أن ارتفاع حالات "كوفيد - 19" على متن تلك السفينة ارتبط على الأرجح بارتفاع عدد الحالات الخالية من الأعراض. وبحسب تقديراتهم، بلغت نسبة تلك الحالات 17.9%.

لكن يذكر البحث أيضاً أن السفينة شكّلت "بيئة حاضنة" للفيروس لأن عدداً كبيراً من الركاب يدخل في خانة كبار السن وأكثر الأشخاص عرضـة للخطــــر. يقول البروفيســـــور جيراردو شويل من جامعة ولاية جورجيا في أتلانتا: "يجب أن نتذكر أن تلك الجماعة كانت تحمل مواصفات خاصة".

لم يتأكد بعد تأثير المصابين بأعراض خفيفة أو معدومة على نطاق انتشار الفيروس، لكن تكشف أدلة متزايدة أن هذه الفئة من الناس تستطيع نقل العدوى على الأقل.

جرت دراسة أولية أخرى في ألمانيا واستنتجت أن الأشخاص الذين حملت عيّناتهم المأخوذة من الأنف والحلق خلال أول أسبوع من ظهور الأعراض بعد التقاط الفيروس سجّلوا مستوىً مرتفعاً من الحمل الفيروسي. بعبارة أخرى، حتى لو لم يلاحظ هؤلاء أي أعراض في البداية، إلا أنهم يستطيعون نقل فيروس كورونا الجديد من دون علمهم.

ووفق دراسة أخرى نشرتها مجلة "جاما"، تبيّن أن شخصاً نقل الفيروس إلى خمسة آخرين رغم غياب أعراض العدوى لديه.

لهذه الأسباب كلها، يصرّ الباحثون على اعتبار التباعد الاجتماعي أفضل تدبير لاحتواء انتشار فيروس كورونا: قد يسمح كل من يكبح نشاطاته الاجتماعية بكسر حلقة نقل العدوى بين الناس!


MISS 3