شربل داغر

مخاصمة الغرب والقمع العميم

5 حزيران 2023

02 : 00

تسري، هنا وهناك، لا سيما بعد كتاب "الاستشراق" لإدوارد سعيد، كتب ومؤتمرات، بل مقررات جامعية، تجتمع حول: نقد الاستعمار، سواء في الفكر، أو في الأدب.

وما يسري لا يزيد، بل لا يُحسِّن من شروط التعلم والعلم.

فقد بات الخلط معمماً بين العلم والاستعمار، وبين الثقافة والسياسة:

لا قيمة، ولا جدوى لما أنتجتْه علوم الجامعات الأوروبية على مدى قرون من علوم إنسانية ومناهج، بل بات السؤال عند جامعيين ومثقفين محليين: ألا يمكن إنتاج علوم خاصة بنا؟ ألا يجدر بنا الاستقلال عن هذه المناهج والعلوم التي باتت خديعة الاستعمار؟ أليس أنسب لنا بناءُ غيرها على أن تكون عنوان العزة القومية؟

كتاب إدوارد سعيد يستحق النقد في اكثر من مسألة منهجية وتحليلية، وهو ما قمتُ به في أكثر من كتاب سابق.

إلا أن كتابه تحول، عند بعضهم، أقرب إلى خردة... سياسية، أشبه برشق حجارة في تظاهرة. أي انه تحول إلى كتاب معادٍ للعلم، للبحث، والتقدم، في خدمةِ غوغائيةٍ وشعبويةٍ سيكون كتاب سعيد أولَ ضحية لها عند استلام هؤلاء السلطة.

وما أشبه حالة كتابه بحالة فن زياد الرحباني لو استلمتْ قوى ظلامية الحكمَ في لبنان!

ما يغيب، في هذه الحالة المعممة، تحت دعاوى "شريفة" في أحيان كثيرة، هو العلم، والثقافة، والفن.

والأدهى، في هذا كله، لا سيما عند المثقفين، هو مسايرة غير محمودة العواقب لما يظنونه مقاومة ثقافية للاستعمار. فالحق لا يصان، ولا يستعاد، بدعاوى مبتسرة، وشعارات مبسطة ومضللة، خصوصا وأن أصحاب المقاومة... المنهجية لعلوم الاستعمار، يتناغمون مع سذاجة ثورية لدى قوى ظلامية، ولو كان بعض شعاراتها سليماً.

والأظرف في هذا كله، هو أن ما يعايشونه، في ظل حكومات القمع والإسكات المحلية، يُسقطونه على حكومات غربية، متناسِين أو غير عارفِين أن مثقفِين ومثقفين اوروبيين ناهضوا القمع والإسكات، ونجحوا، عبر العصور والمقاومات الفعلية، في بناء جامعات ومعاهد بحوث ذات استقلالية وجدوى.

الداعي لما أكتب هو ما أعرفه، وما أقرأه حاليا عن كتاب "ألف ليلة وليلة"، حيث لا يتورع غير كاتب محلي عن التنديد بما أصاب هذا الكتاب تحت أقلام الغربيين.

فيما لا يعرف كثيرون، أو يتناسون، أن هذا الكتاب لم يبلغ النور في كلكوتا (تحت الحكم البريطاني) والقاهرة وبيروت وغيرها، لولا ما فعله أنطوان غالان الفرنسي، وريتشارد بيرتون الانكليزي، من ترجمة، ومن شهرة لهذا الكتاب. ذلك أن الكتاب كان مهمشاً في مقاهٍ عربية ليس إلا، وفي عهدة حكواتيين يعبثون فيه عبثاً شديداً، فيما لم يكن "الفصحاء المتأدبون" المحليون ينظرون إليه، من "عليائهم"، إلا بنظرات الاحتقار والتبرم.

إن مثل هذه الثقافة، التي تدَّعي القومية والدفاع عن الشعب، لا تعدو كونها... ظلَّ الحكومات، المتعايش مع عالي شعاراتها وعداواتها في تلك الفسحات المتروكة لها في القمع العميم.


MISS 3