مايا الخوري

كاتيا الهبر يزبك: الأطفال الأكثر إستفادة من العزل المنزلي... ولكن!

2 نيسان 2020

11 : 50

واقع جديد فُرض على الصغار كما الكبار منذ شهر ونيّف. لا نشاطات خارجية. لا لقاءات عائلية. لا مدارس. التعليم عن بعد حقل تجارب. تساؤلات كثيرة تترافق مع المرحلة الضبابية وقلقٌ حول صحّة الأولاد النفسية والحركيّة والمهاراتية. أي انعكاس للعزل على الأطفال وما دور الأهل في إدارة هذه المرحلة؟ الجواب في "نداء الوطن" مع الأخصائية في العلاج النفسي والحسي الحركي والتواصل العلاقاتي، كاتيا الهبر يزبك.

نقف على عتبة تغيير كبير فرضه الوباء الطارئ. لكنّ هذه المرحلة المستجدّة التي عزلتنا في منازلنا، لا تخلو من الغموض والضبابية خصوصاً أننا لا نزال في مرحلة المواجهة من دون أن تكتمل الصورة بعد. لذا، من الطبيعي وفق كاتيا الهبر يزبك ألا تكون الإنعكاسات واضحة المعالم بعد.

ولكن، مجرّد وصف المرحلة بـ "فترة تغيير" يعني أننا نتحدث عن مرحلة تغييرات كبيرة يعيشها الأولاد، رغم أنّ عبارة "حجر منزلي" ليست برأيها مناسبة لوصف ما يعيشونه فعلاً. وقالت:" برأيي يتطّلع الأولاد إلى هذا الموضوع من منظار آخر. فهم الأكثر استفادة ممّا يحصل شرط أن يعيش الراشدون المسؤولون عنهم هذه الفترة بطريقة إيجابية. لذا يرتبط تأثير هذه المرحلة عملياً، في كيفية عيشهم لها ونوعية العلاقة بينهم وبين الراشدين، وكيفية تعامل هؤلاء مع الأمور المستجدّة".

وأضافت: "التغيير الحقيقي الذي طرأ على حياتهم هو كسر الروتين المفيد جداً والمنظّم لشخصيتهم، والذي اعتادوا عليه سابقاً، بدءاً من الذهاب إلى المدرسة. لذا حصل نوع من الفوضى في البداية إلى أن وضعت الأمّهات معايير جديدة للتأقلم مع هذه المرحلة".

بعض العائلات فضّل الإنتقال إلى القرية إلى حين انتهاء مرحلة العزل المنزلي، هل من السهل تأقلم الأطفال مع تغيير مماثل؟ جاوبت:"ألفت الإنتباه إلى أن الطفل يحتاج للتأقلم مع المكان حتى لو كان مألوفاً، لذا ممكن أن يصطحب معه أغراضه الخاصة التي تشعره بالأمان، كالألعاب مثلاً. فضلاً عن ضرورة التحدث إليه عن سبب الإنتقال، وإن لزم الأمر التأكيد على أن العودة ستكون عندما تتحسّن الظروف".

من جهة أخرى، من يواجه تحدياً أكبر، برأيها، هم الأولاد الذين يعيشون في شقة مقفلة لا تضم مساحة مخصصة للنشاط أو مساحة خارجية كالحديقة، ويختبرون في الوقت نفسه عزلاً عن أحبّاء تواجدوا دائماً في حياتهم، مثل الأقارب والأصدقاء. معتبرة "أنه من الطبيعي أن يعبّر هؤلاء عن استياء وعن ضيق خلق مثل الكبار. في هذه الحال، ممكن إستخدام التكنولوجيا المتاحة أمامنا اليوم بذكاء للتواصل بشكل شبه طبيعي مع من يشتاقون إليه ويطالبون بوجوده".

إنما يتطلّب ذلك قدرة الراشدين على استيعاب الأولاد والإستجابة لمتطلباتهم، فيحاولون قدر الإمكان الإصغاء لمشاعرهم والتأكيد عليها. مضيفة "يمكنكم إعداد أشياء يدويّة تعبّر عن شوقهم، مؤكدين، أنهم سيقدّمونها لأحبّائهم بعد انتهاء هذه المرحلة. فنعمد من خلال ذلك إلى تقليص البعدين الجسدي والمسافي عبر نشاطات تُبقي البعيدين، حاضريـن في حياتنا واهتماماتنا اليومية على أمل اللقاء القريب".

كأنّك تقصدين بأن طريقة تعامل الأهل مع هذه المرحلة ينعكس إيجاباً أو سلباً على الأطفال؟ أجابت:"إذا استطاع الراشد التأقلم سريعاً، والتعامل مع مشاعره الخاصة وعواطفه وردود فعله، يمكنه بالتالي التعامل مع مشاعر الطفل وردود فعله. من هذا المنطلق، أدعو من يعيش ضغطاً نفسياً صعباً في هذه المرحلة إلى الإصغاء إلى مصدر الأمور التي تزعجه وربّما اللجوء إلى مختصين لطلب المساعدة، إن لزم الأمر".



وفي هذا الإطار، ذكرت يزبك ما تحدث عنه أحد أهمّ المعالجين النفسيين العصبيين أخيراً "بوريس سيرولنيك" عن العزل المنزلي وتأثيره في الأشخاص، حيث قال: "صحيح أن هدفه هو حماية الجسد، لكنه اعتداء نفسي أقوى على الفئة التي اختبرت صدمة في حياتها أو تحمل ذكريات صادمة مثل الحرب والحجز والسجن، فتكون أكثر عرضة للتأثير النفسي". وانطلاقاً من ذلك، إذا إنتمى الأهل إلى هذه الفئة، تأثّروا أكثر واضطروا أن يتعاملوا مع هذه الصدمة بشكل أكبر لمتابعة أولادهم بشكل أفضل".

النشاطات الخارجية توقّفت، فهل يتأثر نشاط الأطفال النفسي- الحركي؟ قالت:"طالما أننا لا نزال في مرحلة المواجهة، لا يمكن تحديد الإرتداد النفسي - الحركي على المدى البعيد. برأيي ليسوا ليّنين إلى هذه الدرجة. صحيح أن الطفل الذي يتعرّض للتعليم المباشر، يكتسب أكثر، إنما لا يعني ذلك عدم امتلاكه الحد الأدنى في منزله. ففي كل منزل حدّ أدنى من طرق التعليم، لكننا لم نتحضّر لذلك مسبقاً. لذا تكتشف الأمّهات حالياً مواهبهن الجديدة، على صعيدي التعليم وابتكار النشاطات، ما يتطلّب جهداً أكبر".

وأضافت: "صحيح أن الأطفال الصغار يرتادون الحضانة وصفوف الروضة حيث يقومون بأشغال يدوية ونشاطات رياضية، إنما لا تتميّز هذه الأمور عمّا يمكن القيام به في المنزل، إلا أنها تكلّف الراشدين وقتاً أطول، وإختبار مهارات تستجيب لمتطلبات الأطفال وتنمية مهاراتهم".

وأشارت يزبك إلى أن العلم بعامّة ليس محصوراً في المدرسة، وبالتالي قد يحتاج المنهج التربوي الحالي إلى تطوير، مقارنة مع المناهج العالمية التي تتجه إلى أن يكون العلم محرّراً من القيود المدرسية. لذا من الممكن وفقها، أن تشّكل هذه المرحلة فرصة كبيرة جداً أمام النظام التربوي لإختبار أسلوب تعليمي جديد. معبّرة عن شعور إيجابي في هذا الإطار، وتجاه سيرنا نحو مرحلة جديدة. فرغم الضبابية في المنهجيات التعليمية، إلا أننا سنكتشف قدرات أكثر، ووسائل مختلفة لإيصال المعلومات وابتكار فرصٍ جديدة لتعليم الأطفال.

وذكرت أيضاً أن هذه المرحلة تشكل فرصةً للتمييز ما بين الحاجة الضرورية والرغبة. وإن الوقت مناسب للراشدين كي يفسروا للأطفال أن الحياة ما قبل الحجر حفلت بالرغبات المتاح تحقيقها حتى لو لم تكن ضرورة، فيما تشكّل المرحلة الحالية فرصة لتقدير "الترف" النسبي الذي كنا نعيش فيه من جهة، واكتساب خبرة مهمة للنمو الحقيقي العاطفي والاستقلالاتي حيث أثبت علم النفس أن الأولاد لا يحتاجون إلى تحقيق كل طلباتهم من أجل النموّ الصحّي.

أمّا عن رأيها بالتعليم عن بعد المعتمد حالياً، فقالت:"صحيح أن حال الطوارئ هذه فرضت علينا التعليم عن بعد، إنما كان لا بدّ من أن يتحقق لاحقاً بعد تحضير ودراسة. أرى أن النظام التعليمي عن بعد واقع حالياً في حقل تجارب، حيث يبحث الأساتذة عن الوسيلة الأفضل ويكتشف الطلاب معهم. ولكن، من جهة أخرى، ما يساعد الطاقم التربوي في تجربته هذه، هو إلمام الجيل المعاصر بالتكنولوجيا والإنترنت، ما يجعله متأقلماً أسرع مع هذا الواقع، فيساعد الأساتذة على استكمال التعليم عن بعد، واستيعاب ما يحصل وبالتالي التطوير".

واستطردت: "نحن مجتمع حرب، خسر جزء من جيله سنين دراسته وتعليمه لكنه نجح وأثبت أنه رغم الظروف الصعبة التي عاش فيها، إستطاع إنجاز الكثير. لذا من الممكن أن تتأثر السنة الدراسية، لكنها مرحلة ستمرّ بخير".

من جهة أخرى، أبدت يزبك صدمتها من تطبيق بعض المدارس مبدأ التعليم عن البعد لدى أطفال الروضة، قائلة: "إن المناهج المطلوب إنجازها في صفوف الروضة مقسّمة على 3 أعوام، حيث يتمّ تعزيز المهارات من عام إلى آخر. لذا عملياً تبقى كل الأمور مرهونة بالأزمة المفتوحة الأمد. طالما أننا لا نزال في مرحلة المواجهة، لا نستطيع تحديد الإرتدادات اللاحقة على الأطفال".

يفرض التعليم عن بعد الجلوس مطوّلاً أمام الشاشة، فما المدّة المسموح بها للأولاد؟ جاوبت: "توصّلت الأبحاث المعمّقة للمعالج النفسي الفرنسي "سيرج تيسيرون" إلى أن التلفزيون ممنوع للأطفال دون 3 أعوام. أمّا من تجاوز هذه السنّ، فيمكن أن يشاهد مدّة ساعة واحدة فقط. أما بالنسبة إلى الألعاب الإلكترونية مثل PS,Nintendo, Ipad..، لا يجوز إدخالها إلى حياة الطفل دون 6 أعوام. كما لا يجوز أن يتعرّض الأولاد للإنترنت قبل 9 أعوام. وبالنسبة إلى "الفيسبوك" و"واتساب" ومواقع التواصل الإجتماعي، ممنوع استخدامها لمن هم دون 12 عاماً".

وأضافت: "من الواضح أننا تخطّينا هذه المعايير العمرية بأشواط في مجتمعاتنا. ولكن يمكنني أن أنصح الأهل، الذين وبسبب الوضع المتأزم يعتمدون على التكنولوجيا للتواصل مع الآخرين، أكثر من العادة، أن ينتبهوا إلى مجموع وقت الإستعمال مع مراعاة هذه المعايير قدر المستطاع".

إنطلاقاً من هذه المعايير المحددة، متى يمكن البدء بالتعليم عن بعد؟ "لا يمكن ذلك قبل سن العشر سنوات تقريباً، لأن ثمة عوامل عدّة تحول دون قدرة الأطفال على الإستفادة الحقيقية من التعليم عن بعد، كعدم قدرتهم على التركيز لوقت طويل في غياب مناهج تعليمية مشوّقة وخلاّقة في هذا الإطار".

كيف يمكن الإستفادة من هذه المرحلة لئلا تعمّ الفوضى في حياة الأطفال؟ لا يمكن التعميم أو تحديد نقاط سارية المفعول على العائلات كلها. إذ ثمة من يضطرّ الذهاب إلى العمل مثلاً، وبالتالي ليس حاضراً طيلة الوقت في المنزل مع أولاده. لذا لكل منزل إدارته الخاصة وقوانينه الخاصة، وفق ظروف العائلة. بالنسبة إلى عائلتي مثلاً، كوني ملتزمة البقاء في المنزل، وضعت أسساً معيّنة: يجب إرتداء الثياب فور الإستيقاظ من النوم. حدّدت أوقات الطعام، أوقات الدراسة والراحة، أمّا أوقات اللعب، فهي مساحة حريّة متفاوتة من يوم إلى آخر".

هل نفسح في المجال أمام الإلكترونيات في ظل ظروف مماثلة؟

جاوبت:"صحيح أن ثمة عائلات قد لا تملك الإمكانات لإدارة هذه المرحلة، ولكن أدعو الأهل، إنطلاقاً مما ورد سابقاً من رأي علمي بارزِ وأبحاث عن تنظيم ساعات التعرّض للشاشة، أن يعلموا أنهم يخاطرون. فليسألوا أنفسهم ما إذا كانوا مستعدين للمخاطرة طالما أنه لا يمكن تحديد النتائج التي تختلف بحسب كل طفل وكل بيت. إنما المخاطرة أكيدة والنتيجة النهائية غير واضحة بعد، لأن الأبحاث لا تزال مستمرّة في هذا الإطار".

من جهة أخرى، لفتت يزبك نظر الأهل إلى أن ثمة مساحات وأدوات في المنزل غير مستثمرة بعد في التربية، حيث هناك نشاطات كثيرة تجذب الأطفال كإعداد الطعام وإزالة الغبار. إنها مهارات لا تُكتسب خارج المنزل، لذا يقفون أمام فرصة لمشاركة أطفالهم بها لاكتساب مهارات جديدة وملء الوقت بشكل مفيد. وأضافت:" يمكن لمن بلغ 12 عاماً المساعدة في إعداد الطعام وترتيب المنزل وتنسيق طاولة الطعام. ويمكن لمن بلغ 8 سنوات، أن يصبح مستقلاً في ترتيب أغراضه، وتحضير طعام مناسب لسنّه. وممكن أن يلعب الأطفال الصغار بأدوات المطبخ. ثمة أفكار ونشاطات كثيرة معروضة عبر المواقع الإلكترونية للترفيه في المنزل".

ودعت الأهل ختاماً إلى "تخطّي القدرات والحدود المرسومة سابقاً، وعجن النفس مجدداً للتأقلم مع هذه المرحلة. فيكتشف كل منّا قدرته على أن يكون ليناً عند الضرورة وأن يبقي على النظام الذي يضمن التوازن الحقيقي".