محمود أبو شقرا

كورونا والحرب الخفية

2 نيسان 2020

03 : 30

فيروس "كورونا" يستمر في الانتشار، ومحاولات وقف تمدده لم تؤت ثمارها المرجوة. السلطات على اختلاف قطاعاتها المستنفرة كما المجتمعات، تخوض حرباً دفاعية، في محاولة منها لوقف هذا التمدد. فيما الخوف، إن لم نقل الهلع، يسيطران على الأجواء.

إذاً "كورونا" يفرض شروطه كما إيقاعه على العالم، والدول الأكثر جبروتاً، من الولايات المتحدة إلى روسيا والصين والدول الأوروبية وفي مقدمها بريطانيا، ويلزم البشر بالحجر المنزلي الطوعي والصحي الإلزامي، يغلق الشركات والمؤسسات ويوقف الحياة بمختلف وجوهها.

وحدها المستشفيات والأجهزة الطبية تعمل كخلايا النحل في المعالجة والتجهيز والاستعداد.

إنها حرب حقيقية مع " كورونا" كوفيد 19.

عندما بدأ الوباء، وكعادتنا دائماً، نذهب إلى نظرية المؤامرة، لأنها الأسهل في إبداء الرأي امام جهلنا بماهية الحدث. إنه الصراع العالمي. من بدأ الحرب الفيروسية؟! الصين أم الولايات المتحدة؟

الصين أنتجت الفيروس، وخرج على السيطرة نتيجة خطأ تقني...

لا... إن الوباء انتشر أولاً في الصين؛ صنعته إذاً الولايات المتحدة وبثته في الصين وهي تجد نفسها أمام الصراع الاقتصادي في مواجهة حتمية مع التنين الأصفر، مع الصين. حيث تتعدد الاجتهادات في ابتكار النظريات المدعمة لهذا التقدير.

إننا نهمل قضية أساسية؛ إنها قضية اختلال التوازن بين العلوم والتطور التكنولوجي وبين الطبيعة والإيكولوجيا وقوانينها. الحرب مستمرة ، وعداد الإصابات والوفيات لا يتوقف ليلاً ونهاراً.

نبطئ عدد الإصابات أو الوفيات؛ نبث شحنة من التفاؤل. يرتفع عدد الإصابات على الصعيد العالمي، نرفع مستوى موجة التحذير والتدابير الوقائية.

لا شك في أنها حرب مع عدو لا يحمل سلاحاً، ولا نعرف بعد كيف نقاومه، ولا نمتلك أسلحة مواجهة لحماية البشرية.

إذاً، كورونا سيستمر في التقدم، في خط بياني متعرج، صعوداً وهبوطاً، كل ارتفاع فيه معركة رابحة لكورونا، وكل انخفاض، تراجع له، وربح لنا.

العامل الأساسي في الربح والخسارة هو الوقت. كيف نربح وقتاً أطول يعطينا متسعاً من الوقت لإنتاج العلاج (الترياق) الوافي الشافي في مواجهة كورونا.

يتوقع الأطباء أن تستمر هذه الحرب مدة سنتين على الأقل. سنة لإنتاج اللقاحات والأمصال المجدية، وسنة أخرى لتجربتها وإنتاجها واستخدامها.

أمام هذا الواقع تبرز معركتان:

الأولى، معركة حماية الانسان. أما الثانية فهي معركة حماية الاقتصاد والانتاج.

كلاهما مهددان؛ الانسان، كما الاقتصاد والانتاج.

نتلمس أمام الشدة، والاحتمالات غير المتوقعة، صراعاً في دوائر الإدارات الدولية، لم يبرز جلياً بعد.

من منهما نحمي أولاً؟ سؤال مطروح وسيطرح أكثر مع اشتداد الأزمة؛ أزمة تفشي الجائحة وعجز المستشفيات عن استيعاب المصابين من جهة، ومن الجهة الثانية توقف مؤسسات الانتاج، وعجز القطاعات المنتجة عن سداد مستحقات العمال والمستخدمين، وصولاً إلى عجز الدول عن دفع رواتب القطاع العام. أضف إلى ذلك فقدان الحاجات في الأسواق بسبب إغلاق الحدود بين الدول وتوقف حركة النقل والانتقال.

الاتجاه الأول يقول: نحمي الإنسان، نبذل الغالي والنفيس لإنقاذ البشرية. نقدم كل خدمة ضرورية للذين أفنوا حياتهم في خدمة الأوطان وتقدم شعوبها. نحد من عدد الوفيات، نحافظ على الطاقة المنتجة لإعادة البناء الاقتصادي وتفعيل دور المجتمعات التي شلتها الحرب الفيروسية.

الاتجاه الثاني، اتجاه المجتمع الصناعي الرأسمالي الذي يقول: إن الحفاظ على الدورة الاقتصادية حيّة هو الأساس. إذا توقفت الدورة الاقتصادية أو أصيبت بالجمود أو حتى بالركود، تتدمر المجتمعات الحضارية وكل منظومة الحياة المعاصرة والقيم المجتمعية، ويصبح من الصعب إحياؤها.

قد يموت في الحرب ربع البشرية؛ ولكنهم من المرضى وكبار السن، المستهلكين وغير المنتجين، وهكذا تتجدد المجتمعات، وتصبح أكثر شباباً، وقدرة على الانتاج، ويستعاد التوازن على أسس ومعايير جديدة. وعندها يمكن تحسين مستوى المعيشة.

في المقابل، يقول الاتجاه الثاني: إن حجم الوفيات يسبب تراجعاً كبيراً في المجتمعات، ويرفع معدلات الفقر، بخاصة في المناطق الفقيرة، وكذلك في الدول والمجتمعات غير المتطورة. مثلاً، من يستطيع أن يتوقع كيف تكون الأوضاع في حال تفشي فيروس كورونا في قارة أفريقيا مثلاً؟

لقد طرحت بريطانيا، وإلى حد ما الولايات المتحدة، نظرية ترك كورونا لينتشر، ويصيب سبعين إلى ثمانين في المئة من الناس، ونتعامل معه على قاعدة مناعة الإنسان ليصبح الجسم قادراً على التعامل مع الفيروس، والدفاع عن نفسه. غير أن النظرية هذه غير محسوبة العواقب. فالولايات المتحدة تتقدم لتحتل المركز الأول في العالم بعدد الإصابات، كما في عدد الوفيات، وهي الدولة الأقدر علمياً ومادياً على مستوى الكرة الأرضية.

هذه الأفكار تحتاج إلى معالجة دقيقة وواسعة. لكن أسئلة مصيرية تبقى في انتظار أجوبة من أصحاب الاختصاص ومن مراكز الابحاث والدراسات.

- العلم والتوازن البيئي؟

- حياة الانسان بين التقدم العلمي والحضارة؟

- المناخ والبيئة وحمايتهما مع التطور الصناعي والتلوث؟

وغير ذلك من الفرضيات التي باتت مواجهتها تحتاج إلى جديّة أكثر. وفي ظل شروط هذه الحرب يبقى عامل الوقت هو الأساس؛ كيف نربح وقتاً أطول، ونحافظ على مرضى أقل ووفيات أقل. لتبقى المستشفيات قادرة على التعاطي مع الجائحة، واستيعاب المصابين، حتى لا نصل إلى ظروف دراماتيكية. وظواهرها بدأت تتبلور في ترك المرضى والمسنين من دون أجهزة إنعاش.

ومهما اختلفت النظريات يبقى الانسان بذاته الرأسمال الأهم الذي يجب أن يشكل محور العلاقة بين الحياة والاقتصاد والانتاج. علماً بأننا بتقدير جديد، دخلنا مرحلة جديدة وعصراً جديداً، عصر ما بعد الكورونا، ينبغي أن نعود فيه إلى تصحيح المعادلات وبناء التوازنات بين الانسان كوجود، والدولة كمفهوم تنظيمي وإداري لهذا الوجود، وبين العلم والتكنولوجيا والاقتصاد بما يخدم لعبة التوازن المصيرية هذه.


MISS 3