بشارة شربل

على أنغام "فاغنر"

26 حزيران 2023

02 : 00

تجوز الشماتة شرعاً بفلاديمير بوتين وبـ"عبَّاد الديكتاتورية" في محور الممانعة الذين يتضامنون معه ويروّجون مبرراته الكاذبة للعدوان على أوكرانيا، رغم اقترافه نهراً من الدماء وأزمة غذاء طاولت جهات العالم الأربع.

وإذ إن صراع بوتين على النفوذ مع جزار محترف يبزُّه وحشية لا يوحي إلا بدُعاء "اللهم أُضرب الظالمين بالظالمين"، فإن الخوف الوحيد يكمن في أن يتصرف - بعد حسم الصراع مع يفغيني بريغوجين - كالذئب الجريح، فيستخدم الأسلحة المحرَّمة ضد اوكرانيا محاولاً حرمانها من التسبب له بانقسام داخلي جديد.

لم يمنعنا التخوف من تطورات أشد دراماتيكية في الداخل الروسي وعلى المسرح الأوكراني من التمتع بتمرد مَن كان يسمى "طباخ بوتين" على معلمه "طابخ السمّ". وبديهي ان "قوانين" المافيا التي تأبى الخروج على "العائلة" وتشطب "الخونة" والتي شكلت رد فعل ساكن الكرملين على احتلال روستوف، دفعت قائد عصابة "فاغنر" الى تهيُّب الموقف والاكتفاء من غباء "الزحف الى موسكو" بالرسالة القاسية التي تلقاها بوتين والجيش الروسي.

وفي الواقع، لولا ان روسيا قوة نووية خطيرة ومفاتيحها في يد رؤوس حامية، لما اختلف فلاديمير بوتين بشيء عن أي ديكتاتور ينفخ شعبه بنظريات المؤامرة وبالشعور القومي العنصري أو بالنزعة الدينية المتخلفة. فيستفرد بالسلطة، ويطوِّع الدستور ليحكم "الى الأبد" مكتفياً بمجلس نواب من الهاتفين "بالروح بالدم"، مختصراً بهم شعباً أعمته الديماغوجية أو أرضخته القبضة الحديد.

بين الاستبداديين الراحلين أو الأحياء، علمانيين أو تيوقراطيين، يذكِّر "القيصر الروسي" الجديد بالسيِّئ الذكر صدَّام حسين على وجه التحديد. هو أيضاً حكم بلداً حَبَته الطبيعة بالوفرة والموارد البشرية، وبتراث شاهد على "ما بين النهرين"، ففضل أن يبدأ التاريخ من شخصه "الكريم" وأن يلغي المعارضين ويغتالهم خارج الحدود. ثم حين استتب له الاستبداد الداخلي غزا جارته الكويت في 1990. والتتمة معروفة، وذيولها كارثية حتى يومنا الحالي.

لم يكن مسار ضابط الـ "ك.ج. ب" السابق مفاجئاً لمراقبين كثيرين. فقتلُ الخصوم بدم بارد جزء من عمل الاستخبارات، ومثلُه التضحية بالرفيق والعميل، لكن المثير للاستغراب كيف سمح الشعب الروسي العريق والزاخر بالمثقفين والعلماء والمفكرين لحفنة أوليغارشيين ان تقود روسيا الى حمامات دم متنقلة بعدما كرست المافيوقراطية وريثةً للنظام السوفياتي الشيوعي، علماً أن الفرصة كانت سانحة لإرساء الديموقراطية بعدما شكلت "البيريسترويكا" و"الغلاسنوست" مطهراً أسدل الستارة على "الستار الحديدي".

أما الأغرب فهو انكشاف الكنيسة الارثوذكسية الروسية عن تخلف أصولي رهيب، يتمثل ببركتها لـ"الحرب المقدسة" على الاوكرانيين وبتفاهة رجال دين يقبِّلون امام الكاميرات قذائف مُعدَّة للتفجير على رأس الجار السلافي.

فلاديمير بوتين الذي سلَّف الشعب السوري عدداً لا يحصى من البراميل المتفجرة ويملك وجوداً عسكرياً استراتيجياً في سوريا ويطمح لتوازن مع "الحلف الأطلسي"، نازَلته شركة عسكرية، قوامها نزلاء سجون وقتلة محترفون، أنشأها عن سابق تصور وتصميم لتنفيذ المهمات القذرة العابرة للحدود فارتدَّت عليه كمن يزرع الريح...

مبكرٌ تقدير تداعيات الأحداث الأخيرة على موقع موسكو الدولي وفي سوريا بالتحديد، لكن من المفيد للبنانيين مدمني تعطيل الاستحقاقات وانتظار رياح التوازنات أن ينتبهوا الى أنها قد تجري أحياناً بما المرء لا يشتهيه.


MISS 3