النوبات القلبية قد تسرّع إصابتك بالتراجع المعرفي

02 : 00

تعتبر «مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها» أمراض القلب من أبرز أسباب الوفاة. في معظم الحالات، تحصل النوبة القلبية حين يتوقف وصول الدم إلى عضلة القلب بسبب انسداد أحد الشرايين، ما يؤدي إلى حرمان العضلة من الأوكسجين والمغذيات. حتى أن هذه الحالة قد تُسبب سكتة قلبية، ما يعني أن يتوقف القلب عن الخفقان.



ينجو معظم المصابين بنوبة قلبية، وتقتصر نسبة النوبات المميتة على 12%. لتخفيف احتمال التعرض لنوبات أخرى، يوصي الخبراء بتبني حمية صحية، وتكثيف النشاطات الجسدية، والإقلاع عن التدخين، ومحاولة تخفيف الضغط النفسي، وأخذ الأدوية التي يوصي بها الطبيب.

ذكرت دراسات سابقة أن النوبة القلبية تزيد خطر الإصابة بالخرف أيضاً، لكن لا تزال الأدلة غير جازمة حتى الآن. لكن تكشف دراسة جديدة أن المصابين بنوبة قلبية يصبحون أكثر عرضة لتسارع التراجع المعرفي. نُشرت نتائج البحث في مجلة «جاما» لعلم الأعصاب.

يقول بيرسي غريفين، مدير قسم التواصل العلمي في جمعية الزهايمر (لم يشارك في الدراسة الأخيرة): «يستكشف البحث الجديد مجموعة سكانية واسعة جداً ومتنوعة نسبياً (أكثر من 30 ألف شخص)، استناداً إلى ست دراسات أميركية طويلة الأمد. هو يهدف إلى التأكد من عواقب النوبات القلبية على مستوى الوظيفة المعرفية وتحليل أثر العرق والجنس على وجه التحديد».

في المحصّلة، شارك 30 ألفاً و465 شخصاً في الدراسة، وبلغ متوسط أعمارهم 64 عاماً. في بداية الدراسة، خضع جميع المشاركين للفحوصات لمراجعة أي حالات سابقة مثل احتشاء عضلة القلب، أو الخرف، أو الجلطة الدماغية، وتم استبعاد كل من يحمل تاريخاً بأي من هذه الأمراض.

بلغت نسبة النساء في الدراسة 56%، وكان معظم المشاركين من أصحاب البشرة البيضاء (69%)، بالإضافة إلى عدد من السود (29%) واللاتينيين (8%).

خلال فترة المتابعة التي تراوحت بين 4.9 و19.7 سنة (بلغ متوسطها 6.4)، أصيب 1033 مشاركاً بنوبة قلبية واحدة على الأقل، ولم يُصَب العدد المتبقي بأي حوادث على صلة باحتشاء عضلة القلب.

أجرى الباحثون تقييماً معرفياً واحداً أو أكثر لجميع المشاركين في بداية الدراسة، وجرت تقييمات إضافية بعد النوبات القلبية.

لتقييم أداء الوظيفة المعرفية، حلل الباحثون العوامل التالية:

• الإدراك العام: الوظيفة التنفيذية أو سرعة معالجة المعلومات، والتعلّم أو الذاكرة، والحالة النفسية العامة، والقدرات اللغوية، والحركية، والبصرية، والمكانية.

• الذاكرة: التعلّم أو تأخّـــر استرجاع الذكريات.

• وظيفة تنفيذية معقدة أو مُسَرّعة.

كما كان متوقعاً، سجّل جميع المشاركين درجة من التراجع المعرفي المرتبط بالسن خلال فترة المتابعة. لكن لاحظ الباحثون أن التراجع تسارع على مستوى القياسات الثلاثة (الإدراك العام، الذاكرة، الوظيفة التنفيذية)، لا سيما وسط المجموعة التي تعرّضت لنوبة قلبية.

يوضح الدكتور بيرسي غريفين: «اكتشف الباحثون أن أداء الإدراك العام والذاكرة واتخاذ القرارات بعد النوبة القلبية لم يتراجع بدرجة كبيرة فوراً، لكنه تدهور مع مرور الوقت بوتيرة أسرع من العادة. كان تراجع الإدراك العام لدى من تعرضوا لنوبة قلبية في الدراسة يوازي بين 6 و13 سنة من الشيخوخة المعرفية».

عندما تعرّض المشاركون لنوبة قلبية ثانية، لم يتغير مستوى التراجع العام لكن سجّلت هذه المجموعة تراجعاً كبيراً في الوظيفة التنفيذية بعد النوبة الثانية مباشرةً.

رصد الباحثون أيضاً اختلافات في أثر النوبات القلبية بسبب الانتماء العرقي والجنس. كان أصحاب البشرة السوداء أكثر عرضة لتغيّر إدراكهم العام بعد النوبة القلبية، لكن تباطأ هذا التراجع لاحقاً وأصبح أقل مستوى مما هو عليه لدى البيض. كذلك، سجلت النساء مستوىً أبطأ من تراجع الوظيفة المعرفية، بينما سجل الرجال تراجعاً أسرع في الوظيفة التنفيذية.

تمحورت دراسة سابقة حول مجموعة كبيرة من الناجين من نوبات قلبية واستنتجت أن هذه النوبات ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالخرف الوعائي، لا سيما لدى من تعرضوا لجلطة دماغية خلال فترة المتابعة.

تكشف الدراسة الجديدة الآن أن تسارع التراجع المعرفي السنوي بعد النوبة القلبية لم يكن على صلة بالجلطات الدماغية والرجفان الأذيني.

يفترض الباحثون أن هذا التسارع في التراجع المعرفي على المدى الطويل قد ينجم عن أمراض دماغية ووعائية قديمة، مثل مرض المادة البيضاء المرتبط بارتفاع ضغط الدم. قد تطلق هذه الحالة مسار الخرف الوعائي عبر التهاب منهجي يُسبب الإجهاد التأكسدي، أو نقص تدفق الدم المزمن الذي يترافق مع اختلال الكسر القذفي في البطين الأيسر، أو ظهور الرجفان الأذيني، أو الجلطات الإقفارية.

يضيف غريفين: «يبدو أن خطر الإصابة بمرض الزهايمر أو الخرف الوعائي يزيد بسبب حالات عدة تسيء إلى القلب والأوعية الدموية، بما في ذلك أمراض القلب، والسكري، والجلطات الدماغية، وارتفاع ضغط الدم والكولسترول. تشدد النتائج الجديدة على ضرورة إجراء أبحاث إضافية واتخاذ خطوات ملموسة على أرض الواقع لتقليص اللامساواة في قطاع الرعاية الصحية وتحسين طريقة رصد عوامل الخطر الوعائية ومعالجتها».

تطرح هذه الدراسة أدلة إضافية حول وجود رابط بين صحة القلب والأوعية الدموية وصحة الدماغ. كذلك، قد يكون تخفيض مخاطر أمراض القلب عبر الحفاظ على حمية صحية وأسلوب حياة مناسب أساسياً لتقليص خطر التعرّض للتراجع المعرفي أو الخرف على المدى الطويل.

يقول الدكتور ديفيد ميريل، طبيب نفسي ومدير «مركز صحة الدماغ» التابع لمعهد علم الأعصاب في سانتا مونيكا (لم يشارك في البحث الجديد): «عند الإصابة بنوبة قلبية، قد تضعف وظيفة القلب ويستمر هذا الضعف بعد الحدث المؤثر بفترة. قد يعوّض الدماغ عن ما يحصل بسبب احتشاء عضلة القلب، لكن تتغير مخاطر الخرف مع مرور الوقت، ما يعني أن أكبر مسببات الإجهاد في الجسم نتيجة احتشاء عضلة القلب تبدأ بالتأثير على صحة الدماغ على المدى الطويل. تشدد هذه النتائج على ضرورة الاحتماء من النوبات القلبية وأهمية إعادة تأهيل القلب والدماغ بعد أي حوادث صحية كبرى مثل النوبات القلبية».


MISS 3