ليس الدماغ من يتعرّض للخداع البصري

02 : 00

دوائر مطبوعة توحي بأنها تتحرّك، ألوان تبدو مختلفة ظاهرياً مع أنها متشابهة... يحبّ الجميع مظاهر الخداع البصري المتقنة، مع أن الجوانب السحرية لهذه الخدعة تبقى غامضة في حالات كثيرة.

أجرى عالِم البيئة البصرية جوليون تروسيانكو من جامعة «إكستر» وعالِم الأعصاب دانيال أوسوريو من جامعة «ساسكس» في بريطانيا دراسة جديدة تُركّز على الجدل المرتبط بحصول أخطاء معينة في استشعار الألوان والظلال والأشكال بسبب وظيفة العين أو الأسلاك العصبية في الدماغ.

اكتشف العالِمان أن فئات محدّدة من الخِدَع يمكن تفسيرها بمحدودية الخلايا العصبية البصرية، وهي الخلايا التي تعالج المعلومات الصادرة من العين، ولا ترتبط هذه العملية بمعالجة أعلى مستوى.

تحمل هذه الخلايا العصبية عرضاً محدوداً للنطاق التردّدي، وقد طوّر المشرفون على الدراسة الجديدة نموذجاً يثبت طريقة تأثير هذا الجانب على نظرتنا إلى أنماط بأحجام مختلفة، انطلاقاً من أبحاث سابقة كانت قد حلّلت نظرة الحيوانات إلى درجات الألوان.

يوضح تروسيانكو: «ترسل عيوننا رسائل إلى الدماغ عبر تسريع عمل الخلايا العصبية إو إبطائه. لكن تبقى سرعة تشغيلها محدودة، ولم تتطرّق الأبحاث السابقة إلى تأثير هذه الحدود على نظرتنا إلى الألوان».

يكشف النموذج الجديد أن الحدود المفروضة على معالجة المعلومات والطاقة الأيضية تجبر الخلايا العصبية على ضغط البيانات البصرية التي تدخل عبر عيوننا. لا تكون هذه الظاهرة واضحة بالقدر نفسه وسط فوضى المناظر الطبيعية، لكنها تبدو أكثر تأثيراً على نظرتنا إلى الأنماط الأكثر بساطة.

تتكرّر العملية نفسها حين تنضغط الصور الرقمية: عند التعامل مع صورة منظر طبيعي من العالم الحقيقي، تزيد صعوبة رصد الضغط الناتج عن التصوير لأن البكسلات تكون أكثر تشويشاً وتنوّعاً. تميل الرسوم التوضيحية الرقمية، حيث تكون الخطوط والحدود ثابتة ومختلفة، إلى تسليط الضوء على تلك الضغوط الناتجة عن التصوير.

قد تسمح هذه النتائج بفهم السبب الذي يجعلنا ندرك التباينات في أجهزة التلفاز المعاصرة التي تشمل تقنية التصوير بالمدى الديناميكي العالي. نظرياً، يُفترض ألا تتمكّن العين من رصد التباين الهائل بين أفتح درجات اللون الأبيض وأحلك درجات اللون الأسود عند استعمال هذه التقنية.

يفترض الباحثون أن الخلايا العصبية تطوّرت كي تصبح فاعلة قدر الإمكان: بعضها مُصَمّم لرصد اختلافات ضئيلة جداً في الظلال، بينما صُمّم البعض الآخر ليكون أكثر حساسية تجاه الاختلافات الصغيرة لكنه أكثر قدرة على رصد نطاقات واسعة من التباين، وهذا ما يجعل أحدث أجهزة التلفاز العاملة بتقنية المدى الديناميكي العالي أكثر إبهاراً.

يضيف تروسيانكو: «يكشف نموذجنا أن الخلايا العصبية التي تحمل هذا المستوى المحدود من عرض النطاق الترددي المتباين تستطيع أن تجمع إشاراتها كي تسمح لنا برؤية هذه التباينات الهائلة، لكن تبقى المعلومات مضغوطة وتنتج خِدَعاً بصرية. يكشف هذا النموذج كيف تطوّرت خلايانا العصبية كي تتمكّن من استعمال كامل سِعَتها».

ينطبق هذا المبدأ أيضاً على عدد كبير من الخِدَع التي تنبثق من اختلافات عدة في مستوى التباين. يتوقّف جزء كبير من عملية إدراك الألوان على السياق في هذه السيناريوات، ويكشف النموذج الجديد بدقة الجزء المسؤول عن هذه العملية في نظام المعالجة البصرية.

خضع النموذج المحوسب للاختبار وتبيّن أنه ينطبق أيضاً على الإدراك البشري لخِدَع بصرية متنوعة، والاستجابات المسجّلة في شبكية الرئيسيات، وأكثر من 50 نموذجاً من ظواهر السطوع والألوان.

ظنّ العلماء سابقاً أن عوامل أخرى قد تكون مسؤولة عن التحايل البصري الذي يخدعنا بالكامل، بما في ذلك معرفتنا للأشكال والأجسام أو حركات العين مثلاً. لكن قد تبرز الحاجة الآن إلى إعادة النظر بهذه الأفكار القديمة.

في النهاية، يقول تروسيانكو: «هذا الاستنتاج قد ينسف عدداً كبيراً من الفرضيّات القديمة حول الآلية الكامنة وراء الخداع البصري».

نُشِرت نتائج البحث في مجلة «بلوس» لعلم الأحياء المحوسب.


MISS 3