جولي مراد

مقصلة الرتابة

23 تموز 2019

11 : 01

لم أكن يوماً من المعجبات بفرقة "مشروع ليلى" فأنا لا أستسيغ فنّها الأقرب الى "الاليكتريك بوب"، ولا أطرب لصوت حامد سنو المغني الأساسي فيها، ولا يخفق قلبي لأداءٍ قائم على قضم الكلمات وبترها لإعادة اجترارها بمخارج حروفٍ مشوّهة مرفقة بموسيقى صاخبة هي مزيجٌ هجين بين الشرقي والغربي.

ولا أنكر أنّ غرابة الموسيقى لدى الفرقة شدّتني الى متابعتها فأدهشني صعودها الصاروخيّ بحيث حصدت جمهوراً عريضاً محلياً وعربياً وحتى عالمياً. وطالما استغربت هذا الانبهار الشبابي بفرقةٍ لا أفقه شيئاً من كلماتها إلا بعد إعادة جملها مراراً لاكتشف أحياناً أنني لم أفهم شيئاً حتى بعد التكرار.



وبرغم عدم إعجابي بما تقدّمه الفرقة من فنّ إلا أنني أؤمن بشدّة أن لكلّ منا ذائقته الخاصة، فما قد أجده تافهاً قد يحظى بإعجاب غيري وتقديره. الأذواق عندي مسألةٌ نسبية ولا أحبّذ التدخل في خيارات غيري.



لست مع إهانة الرموز الدينية فأنا أمقت الابتذال بطبعي ولكنني من المنطلق نفسه أرفض الرقابة على الأعمال الفنية وتكريس صولجان بيد سلطاتٍ تحكم عليّ بما يمكنني مشاهدته أو متابعته كفردٍ راشد.


الدعوة الى الإلغاء تثير لديّ مفعولاً عكسياً. تشدّني الى المحظور بدل إبعادي عنه. هذا ما حصل معي إبان حظر فيلم "والتس مع بشير" أو محاولة منع فيلم "برسيبوليس"، أو الحملات ضدّ الفنان جاد المالح أو الدعوات المحمومة - وما أكثرها في بلدنا- إلى مقاطعة هذا الفنان أو ذاك لمسوغاتٍ ايديولوجية أو دينية.


ثم هل نفع القمع يوماً؟ أم أنه زاد المقموع شهرةً بسهولةٍ ما كان يحلم بها؟ ثم هل يسوع أو غيره من الأنبياء بحاجةٍ الى من يدافع عنهم حقاً؟ هل كان المسيح لينتهج التهديد؟ هو من غسل أقدام تلاميذه ورفض رمي حجر صوب "الزانية"، هل فهمنا رسالته السامية أساساً؟ كمّ الكراهية والتقوقع الفكري وكمية الشحن والتدجين الطائفي التي ظهرت من خلال مسألة "مشروع ليلى" مخيفة: دعواتٌ مقيتة للعنف باسم "جنود الرب" وتهديداتٌ بالويل والثبور وبقطع الأوصال والأرجل ودعوات لقتل المثليين.

رغبةٌ دفينة ومسعورة بالإلغاء... إلغاء كلّ ما هو مختلف... تحويل الدنيا بمقصلةٍ حادّة الى عالم "كامل" لا "تنوّع" في أرجائه... عالمٍ رتيب تؤدّي فيه الجموع الهادرة دور "الآلهة" في غياب القديسين...


MISS 3