يوسف مرتضى

المنظومة الحاكمة بنَت سلطة ولم تبنِ دولة أين البديل الثوري؟

28 نيسان 2020

03 : 30

لتشكيل قيادة سياسية للثورة (رمزي الحاج)

أشهر ستة انقضت على ثورة 17 تشرين الأول المجيدة، التي تميزت ‎بكونها ثورة كرامة وحقوق إنسان، توحّد فيها الشعب اللبناني تحت علم الوطن وهتف بصوت واحد، داعياً إلى إنهاء دولة المزرعة وولوج طريق بناء دولة المواطنة الديموقراطية العادلة.

‎وكان من أهم الأهداف المباشرة للثورة استعادة الأموال المنهوبة عبر تحقيق استقلالية القضاء وإقرار وتفعيل قانون من أين لك هذا؟.

‎نجحت الثورة باسقاط التسوية الرئاسية عبر إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، التي شكّلت الحاضنة لصفقات المحاصصة بين أفرقاء المنظومة الحاكمة وتمكنت بذلك من تفريق صفوف تلك المنظومة. غير أن حكومة الرئيس حسان دياب التي لم تشترط الحصول على صلاحيات استثنائية تشريعية كشرط ضروري وحاسم، من أجل إصدار مراسيم إشتراعية تستجيب لمطالب الثورة وتصوّب مسار بناء الدولة، بقيت أسيرة إرادة المنظومة الحاكمة وساترة لعيوبها. وما نتائج الجلسة التشريعية الأخيرة للمجلس النيابي إلا خير دليل على ذلك.

‎وبينما نقترب من نهاية المئة يوم على عمر هذه الحكومة، لم نشهد أي إنجاز لها لا في مجال إصلاح الإدارة ولا في مجال إستقلالية القضاء، ولا في التقدم بأي خطوة لاسترجاع الأموال المنهوبة. وجلّ ما قامت به أنها امتنعت عن دفع ما استحق من دين على الدولة من دون خطة واضحة لكيفية مواجهة تداعيات ذلك، الأمر الذي ترافق مع تدهور مريع في سعر صرف الليرة اللبنانية وانفلات أسعار السلع الإستهلاكية.

‎والذي زاد الطين بلة، التسريبات الحكومية الداعية الى معالجة الفجوة المالية في حسابات الدولة، من حساب المودعين الذين بددت المصارف ودائعهم أصلاً.

‎أثبتت حكومة دياب بالممارسة العملية أنها حكومة أقنعة لمنظومة السلطة، وهي عاجزة بالتالي عن القيام بأي عمل من شأنه وضع حد لمأساة اللبنانيين، طالما هي مرتهنة لإرادة من شكلها ويرعاها. وهي لم تستفد حتى من الفرصة التي وفرها لها وباء "كورونا"، الذي فرض على الثوار تجميداً قسرياً لتحركهم التزاماً بقرار التعبئة العامة، لتقوم ولو ببعض الإجراءات الإنقاذية التي تعهدت بها.

‎لم تراهن الثورة على حكومة دياب ولم تمنحها الثقة، ولكن كان بإمكان هذه الحكومة أن تنتزع شيئاً من ثقة الشارع لو تجرأت وأقدمت وخالفت إرادة أسيادها. حتى تلك المساعدة التي لا تسمن ولا تغني من جوع التي أقرتها الحكومة ونظمت فيها لوائح المحتاجين، تبيّن عندما تسلمها الجيش أنها ملغّمة بالانصار والمحازبين والازلام، وباتت الـ 400 ألف ليرة اقل من 100 دولار في زمن ارتفعت اسعار الحاجات والاساسية منها بأكثر من 150%.

‎لقد بلغ السيل الزبى ولم يعد الشعب قادراً على التحمل، وقد زادت الجرائم والسرقات بمعدلات خطيرة تنذر بخطر الانهيار الامني وسيادة الفوضى والتوحش.

‎ستة اشهر على انطلاقة الثورة أكدت التجربة وبالنتائج الملموسة ان نظام الحوكمة القائم قد افلس، وأن الطبقة السياسية تتمادى بإغماض عيونها وصم آذانها، وما زالت مسكونة بقواعد المحاصصة بالنهب والمناصب والحصص في الدولة والاجهزة وكلّ منها يغني على ليلاه، ولا تتوحد إرادة أفرقائها الا ضد الثوار والشعب ومصالحه. ولا نعتقد أن شيئاً جدياً سيتغير عملياً بأداء الحكومة، رغم الصوت العالي لرئيسها واتهاماته المباشرة لحاكم مصرف لبنان.

‎اما وقد نفد صبر الشعب ونفدت قدرة الغالبية على تأمين ابسط حاجات الحياة فعاد الثوار الى الساحات والشوارع، وهم يتحفزون للتمرد ومواصلة الثورة بعد ان فقدوا الأمل وسقطت الرهانات على النظام وطبقة الهدر والفساد.

‎لذلك، وللتصدي الفعال لمهمات الثورة، بات مطلوباً وبإلحاح وبأسرع وقت ممكن تشكيل جبهة معارضة سياسية من مجموعات وكوادر الثورة، المؤمنين بإعادة بناء الدولة وفق قواعد الدستور والقانون يكون من أهدافها الأساسية:

‎1 - وضع رؤية سياسية اقتصادية اجتماعية مشتركة. 2- تشكيل قيادة سياسية للثورة تعمل على تجميع وتنظيم كتلة شعبية وازنة، تحمل مطالب الثورة وتواجه المنظومة الحاكمة بموقف يومي تصاعدي يضغط من أجل التغيير وفق خيارين:

‎أ- تشكيل حكومة ثورية انتقالية تبدأ بإصدار المراسيم الاشتراعية بما يحقق استقلالية القضاء وفتح ابواب المحاسبة لاسترجاع المال المنهوب، ما يساعد على استعادة ثقة الداخل والخارج بالدولة، وإقرار قانون جديد للإنتخابات وإجراء انتخابات نيابية حرة ونزيهة، وفق ما ينص عليه الدستور ويعاد بناء السلطات من خلال المجلس المنتخب.

ب- إن لم تسمح الظروف بتشكيل حكومة ثورية انتقالية، تعمل الجبهة على التحضير للإنتخابات النيابية المقبلة بلوائح موحدة ضد أفرقاء منظومة الحكم جميعاً، كيفما كان تموضعهم لإيصال كتلة نيابية وازنة ومنسجمة تحمل خيارات الثورة في التغيير الجذري.

ج- إعتبار السلم الأهلي وحمايته والدفاع عنه أحد أهم أولويات الجبهة في مواجهة محاولات أفرقاء السلطة الإقدام على تهديده كلما شعروا بأن الأرض تهتز تحت أقدامهم.