سيلفانا أبي رميا

المخرج سيريل عريس: رقصٌ على حافة البركان على موعد مع عروض عالمية

29 آب 2023

02 : 05

عريس يتسلّم جائزة «كارلوفي فاري»

يصوّر الوثائقي الجديد «رقصٌ على حافة البركان» Dancing on the Edge of a Volcano، للمخرج سيريل عريس، الظروف الصعبة التي أحاطت بالفيلم الروائي «كوستا برافا» أثناء إنجازه والتي تزامنت مع انفجار «4 آب» وجائحة «كورونا» والأزمة الإقتصادية، في مهمة شبه مستحيلة. إلّا أنه، وبلقطات واقعية ومجرّدة، يُلقي الضوء على السينمائيين اللبنانيين وإيمانهم بالفن، كعمل إبداعي يعاند الخراب المادي والروحي. عريس الذي لمع نجمه في الفيلم القصير Beirut I Love You عام 2009، وانطلق بعدها لتحقيق حلم قديم بامتهان الفن السابع، كشف في حديث لـ»نداء الوطن» أهم محطات إنجاز فيلمه الجديد وما يحويه من رسائل وأسرار.



ما القصة التي يتناولها فيلمك الجديد؟

«رقصٌ على حافة البركان» فيلم وثائقي مدّته ساعة و27 دقيقة، يستعرض كيف دمّر انفجار مرفأ بيروت الكارثي، ليس فقط جزءاً كبيراً من العاصمة، بل أيضاً ما بقي من آمال سكّانها بحياة كريمة. وفيه، نصوّر كواليس إنتاج فيلم «كوستا برافا» لمونيا عقل، وتصويره وإخراجه، وكيف أنّ ما حدث وتبعاته شكّل صدمة لفريق العمل وعطّل التصوير، وجعل الأمور أكثر تعقيداً وشبه مستحيلة.

كيف وُلدت فكرة العمل؟

بعد انفجار «4 آب»، كنت أتمشّى في شوارع بيروت التي وُلدت وترعرعت فيها، مُصوّراً الأضرار والتشوّهات التي خلّفها الإنفجار لعلّني أستوعب ما حدث وأتعايش مع الواقع الجديد الذي فُرض علينا. وكنت أتساءل حينها عن دوري ودور كل فنان وسينمائي خلال هكذا أزمات يمرّ فيها البلد. وخلال مشواري هذا، شاءت الصدفة أن ألتقي فريق تصوير «كوستا برافا لبنان» للمخرجة مونيا عقل، الذين انطلق تصويرهم هذا قبل يوم واحد من وقوع الإنفجار أي 3 آب 2020، وتعرّض مكتبهم للإنتاج «أبّوط» في الجميزة للدمار وأُصيبوا هم بكسور وجروح بليغة أُدخلوا جرّاءها إلى المستشفى.

وهنا جمعَتنا بيروت، فريقين سينمائيين يحاولان استكمال أحلامهما بما تبقّى، ويطرحان السؤال نفسه: «هل نستسلم؟ وما دورنا خلال هكذا فاجعة؟». فما كان منّي إلا أن قرّرت توجيه عدستي باتجاههم لأسلّط الضوء على قصتهم وكفاحهم الطموح في بلد مريض.



ملصق الفيلم




متى انطلق تصوير الفيلم؟ ومِن مَن يتألف الطاقم؟

بعد أيّام فقط من الإنفجار شرعت بالتصوير، وكنت أواكب فريق «كوستا برافا» بشكل يومي بأدق التفاصيل وبصورة مجرّدة توثّق بطولتهم وعدم استسلامهم والمشاكل الكبيرة التي كادت أن تطمر حلمهم بفيلم حصد لاحقاً جوائز عالمية مرموقة. واكتمل «رقصٌ على حافة الهاوية» بعد عام من التصوير المتقطّع، فوُلد فيلم وثائقي طويل من إخراجي، إنتاج ميريام ساسين وكاتارينا ماريا ويسر، موسيقى أنطوني صهيون، مونتاج ناديا بن رشيد وهندسة صوتية لفيكتور بريس ولما صوايا.

أما نجوم التمثيل فهم مونيا عقل، صالح بكري، ناديا شربل، عبلة خوري، نادين لبكي، التوأم جيانا وسيانا رستم، جو سعادة، ميريام ساسين وجورج شقير.

ما الصورة التي تنقلها لنا عن الفريق؟

كل شخصيات الفيلم تضرّرت بشكل مباشر في «4 آب» المشؤوم، فهؤلاء تدمّر مكتبهم ومنازلهم، وعانوا الصدمة النفسية والجروح الجسدية. لكنهم وعلى الرغم من بشاعة التجربة، قرّروا المضي قدماً ومواصلة تصوير «كوستا برافا» كأنهم يبحثون عن خشبة خلاص ومقاومة من خلال الفن. وفي «رقص على حافة البركان» نرى الشخصيات بتجرُّد وبوضوح وشفافية، إذ نحاكي مشاعرهم في لحظات ضعف وشكّ واستسلام وفي لحظات خوف من المستقبل، كما ولحظات مجد وأمل.




سيريل عريس


ماذا نشاهد في الفيلم؟

يُفتتح «الرقص على حافة بركان» بلقطات وكلمات صادمة من فيلم «همسات» (1980)، للراحل مارون بغدادي. وفيه، تعود الشاعرة ناديا تويني إلى بيروت التي مزّقتها الحرب، وبكلمات حادة تنعى بلدها، وتتّهمه، مُلقيةً اللوم على أهله. لكنّها، في الوقت نفسه، تبوح بحبّ جارف وعشق غير محدود لبيروت. كذلك، يظهر الفيلم لقطات مبكية ومؤلمة وعميقة تمزج بين الدمار المادي والدمار النفسي بعد لحظات من الإنفجار، البنايات المدمّرة وأصوات الإسعاف وخصوصاً ما تعرّض له مكتب «أبّوط للإنتاج» وفريق عمل «كوستا برافا» الذي تواجد فيه يوم وقوع الكارثة.

ومن صور التظاهرات والشغب والقنابل المُسيلة للدموع وخطابات السياسيين المتوعّدة، ينتقل «الرقص على حافة البركان»، شيئاً فشيئاً، من العام إلى الخاص، مُركّزاً أكثر على الجانب الإنساني والفني والسينمائي، فيغوص أكثر في الإجتماعات التحضيرية لـ»كوستا برافا»، الذي يروي حكاية عائلة تفرّ من التلوّث البيئي البيروتي الهائل، وتلجأ إلى منزل هادئ ومنعزل في الجبل، وتدرك بعد وقت أنّ الحكومة تخطط لإقامة مكبّ للنفايات في جوار المنزل نفسه.

برأيك ما المشهد الأقوى في الفيلم... ولماذا؟

المشهد الأحب والأقوى بالنسبة الي يُظهر مونيا التي تشعر باليأس من التدهور المعيشي وصعوبات الإنتاج تشتكي لوالدها. فيدور حوار عميق بين الأجيال؛ جيل الوالد المتفائل بالرغم من كل الحروب والأزمات التي توالت عليه ولا تزال، وجيل مونيا الخائف والطموح.




كواليس «كوستا برافا»

الدمار المادي والنفسي



ماذا يضيف «رقص على حافة البركان» إلى رصيدك؟

نال فيلمي الأخير هذا، والذي حظي بتمويل من مهرجان «صندانس»، إشارة خاصة من لجنة تحكيم مهرجان «كارلوفي فاري» بدورته الـ57، وسيُعرض هذا الخريف في مهرجانات لا يمكنني الإفصاح عنها حالياً، لكنها تتضمّن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبلجيكا.

ومع إنجاز «رقص على حافة البركان» يصبح في رصيدي 7 أعمال عُرضت محلياً وعالمياً في أكثر من 50 مهرجاناً وهي الوثائقي القصير Beating Hearts، الوثائقي The Swing، الفيلم القصير The President’s Visit، الفيلم القصير «سهام»، بالإضافة إلى مسلسل «فساتين» والمسلسل التلفزيوني Beirut I Love You. وقد نالت هذه الأعمال عدداً كبيراً من الجوائز منها جائزة NBR - National Board of Review الأميركية وجائزة لجنة التحكيم في مهرجان دبي الـ14 DIFF وجائزة لجنة التحكيم في مهرجان Nashville وجائزة لجنة التحكيم في مهرجان Palm Springs International ShortFest وغيرها.

ما سرّ نجاح حكايتك مع السينما؟ وما حلمك اليوم؟

شغفي الكبير بالسينما هو ما أوصلني لنجاحاتي اليوم، كما وأفلامي التي تعالج قصصاً شخصية وواقعية. ولطالما اتخذت من كبارها مثالاً أعلى وتعلّمت منهم، كشارلي شابلن وجان لوك غودار وبول توماس أندرسون، بالإضافة إلى وودي آلن وفديريكو فلّيني ولين رامسي وصوفيا كوبّولا. ويبقى حلمي الأول والأخير أن أتمكّن من إخبار المُشاهدين حول العالم حكايات من بلدي لبنان.

ماذا بعد «رقص على حافة البركان»؟

أَنْهيتُ أخيراً كتابة سيناريو فيلمي الروائي المقبل والذي سيحمل عنوان It’s a Sad and Beautiful World، ويحظى بدعم من منتجين من لبنان وأميركا وفرنسا وألمانيا، كما نعمل حالياً على تأمين التمويل له على أن ينطلق التصوير مطلع العام 2024.


MISS 3