«الميتافيرس»...حلم أقرب إلى الواقع

02 : 00

لماذا يتكلم جميع خبراء التكنولوجيا عن «الميتافيرس»، وهل يمكن أن يتحول إلى مستقبل الإنترنت والتفاعلات بين الناس؟

من المتوقع أن تتقاطع شبكة الإنترنت قريباً مع الحياة الواقعية. منذ اختراع الإنترنت خلال السبعينات، تغيّرت الحياة بطريقة جذرية. خلال بضعة عقود، انتقلنا من ظهور نص أبيض على خلفية سوداء إلى تطبيقات ملوّنة وتفاعلية وصاخبة نستمتع بها اليوم. لكن لن تتوقف الابتكارات في أي لحظة. ما هي الاختراعات المتوقعة في المرحلة المقبلة؟ إذا أردنا تصديق رؤساء شركات التكنولوجيا في منطقة «سيليكون فالي»، يكمن الجواب في ظاهرة «الميتافيرس» أو الكون الماورائي. قد تبدو هذه الفكرة سخيفة إلى أن نلاحظ أن عدداً كبيراً من الشخصيات القوية والبارزة يتعامل معها بجدّية فائقة.

الميتافيرس، في أبسط أشكاله، هو عبارة عن نسخة مخترعة من الإنترنت وقد نتمكن جميعاً من استعمالها يوماً عبر ارتداء سماعة رأس عاملة بالواقع الافتراضي. تشمل هذه السماعة زوجاً من النظارات المزودة بشاشات بدل العدسات، وهي تحاول أن تخدع الدماغ كي يظن أنها منغمسة بالكامل داخل عالم آخر. حين ندير رأسنا، تتحرك الصور على الشاشة معه، ما يعني أننا نستطيع التنقل في مساحة من المشاعر الحقيقية.

الأمر أشبه بعالم قائم على ألعاب فيديو ثلاثية الأبعاد، لكننا نتماهى هذه المرة مع الشخصيات الظاهرة على الشاشة.

لا يُعتبر الواقع الافتراضي بحد ذاته مفهوماً جديداً، لكن تطورت التكنولوجيا خلال السنوات القليلة الماضية، وباتت دقة الشاشات وقوة الحوسبة تضاهي ما يتصوره كتّاب قصص الخيال العلمي عن أي عالم مستقبلي متقدّم من الناحية التكنولوجية.





لكن يبدو الميتافيرس مختلفاً لأن هذا العالم يرتكز على الاتصال بشبكة الإنترنت والتواصل مع أشخاص آخرين خلال تجربة اجتماعية معينة. على غرار ما يحصل اليوم حين نتفاعل مع الآخرين عبر طباعة الرسائل على «فيسبوك» أو نتصل بالفيديو خلال مكالمة عبر تطبيق «زوم»، يسمح الميتافيرس بعقد اجتماعات عمل، وتمضية الوقت مع الأصدقاء، والمشاركة في ألعاب ضمن مساحة افتراضية مشتركة وثلاثية الأبعاد. يبدو أن أحداً شاهد فيلم The Matrix (المصفوفة) واعتبر العالم الذي يقدّمه مدهشاً!

لكنّ هذه الفكرة ليست افتراضية بالكامل. اليوم، تسعى شركات التكنولوجيا، الصغيرة منها والكبيرة، إلى طرح منتجات وتقنيات قادرة على تحويل الميتافيرس إلى واقع. قد يكون «فيسبوك» أبرز مثال على ذلك. في العام 2021، أعلن مارك زوكربيرغ أنه يراهن على أن يصبح الميتافيرس أعظم إنجاز في المرحلة اللاحقة، حتى أنه غيّر اسم شركته من «فيسبوك» إلى «ميتا» للتأكيد على هذا التوجه.

لا تزال النتائج محدودة حتى الآن، لكنها تكشف ما قد يحمله المستقبل. بعد الإعلان عن تغيير الاسم، طرحت الشركة ما تسمّيه Horizon Workrooms (غرف عمل الأفق). إنه تطبيق عامل بالواقع الافتراضي، وهو يسمح للمستخدم بعقد اجتماع في مكتب افتراضي. يكفي أن يسجّل دخوله، كما يفعل عند الانضمام إلى اجتماع عبر تطبيق «زوم»، لكنه يستعمل هذه المرة سماعة رأس مربوطة بوجهه، ثم يظهر في غرفة افتراضية تعجّ بصور رمزية كرتونية تُمثّل كل واحد من المشاركين.

حين تدخل إلى ذلك العالم، يمكنك أن تتكلم مع زملائك كما تفعل خلال أي مكالمة عادية، أو يمكنك أن تستعمل مجموعة من الأدوات المساعِدة، مثل الكتابة على لوح افتراضي. لكن على عكس ما يحصل خلال الاجتماعات الحقيقية، يمكنك أن تعيد ترتيب الغرفة إذا لم تكن مُصممة بالشكل الذي تريده، فتُغيّر مكان الطاولات والكراسي كي يناسب شكل الاجتماع الذي تفضّله. حتى أنك تستطيع تغيير المنظر الذي يظهر من النافذة الافتراضية.

إنها أول لمحة عن عالم الميتافيرس، لكن لا يزال الوقت مبكراً على تطوّره بالكامل. يتمنى الكثيرون في «سيليكون فالي» أن يصبح الميتافيرس يوماً مشابهاً للإنترنت، حيث ينشئ أي مستخدم مساحته الخاصة التي تستطيع الاندماج مع مساحات الآخرين بسلاسة. اتخذت شركة «آبل» حديثاً خطوة في هذا الاتجاه، فطرحت سماعة الرأس Vision Pro، وهي تسمح برؤية الأجسام بتقنية ثلاثية الأبعاد وبتسجيل الفيديوات وتصويرها.

يتعلق الحلم الحقيقي بابتكار نسختنا الخاصة من العوالم الغامرة وثلاثية الأبعاد يوماً، فننضم إليها جماعياً ونتمكن من التنقل مع أصدقائنا مباشرةً من المكتب إلى ملعب كرة القدم، ثم نطلب من بركان مثلاً أن يقاتل تنيناً. يمكن القيام بهذه الأشياء كلها ونحن نجلس بكل هدوء في منازلنا.

قد تبدو هذه الفكرة جنونية في الوقت الراهن ويشكك الكثيرون بمفهوم الميتافيرس أصلاً، لكن بدت مواقع مثل «يوتيوب» و»إنستغرام» مستحيلة وسحرية بالنسبة إلى أوائل رواد الإنترنت منذ فترة غير طويلة. على أمل أن يكون المشاركون في ابتكار الميتافيرس اليوم قد شاهدوا تلك التجارب الناجحة حتى النهاية.


MISS 3