مصطفى علوش

عن ساعات فاخرة في يد تستعطي

6 أيلول 2023

02 : 00

«يعيش التنابلة في حي الزمالك وحي الزمالك مسالك مسالك

لذلك إذا عزت توصف حياتهم

تقول الحياة عندنا مش كذلك

قفاهم عجينة كروشهم سمينة جلودهم بتضوي دماغهم تخينة

سنانهم مبارد تفوت في الجليد مفيش سخن بارد بياكلوا الحديد

مدام نهر وارد وجاي من الصعيد

تزيد الموارد كروشهم تزيد»

(أحمد فؤاد نجم)

منذ سنوات عرض علي أحد الأصحاب ساعة يد من ماركة رولكس ذهبية لأشتريها بنصف ثمنها الرسمي. لكن، ومع كوني من المعجبين بهذا النوع من الساعات، رفضت العرض وقلت لصديقي بأنني لا يمكن أن ألبس هذا النوع من الحلي وأذهب إلى مستوصف لأعاين مريضاً يمكنه أن يشتري بيتاً ويفرشه بثمن ساعة اليد تلك.

بعد سنوات أصبحت نائباً في غفلة من الزمن، لكوني من خارج الحلقة الذهبية للمحظوظين، وبدأت أفهم بأن هناك أيضاً ساعات فيها حبات ماسية كنت ألحظها في أيدي بعض الزملاء كما الكثيرين من موظفي الفئة الأولى ومدراء الصناديق. فهمت أيضاً أنّ هناك ساعات يد تفوق ساعات الرولكس الساحرة لاحظتها تزين معاصم زملاء آخرين.

لم يخطر في بالي ساعتها أي اتهام لهؤلاء، فربما كان صاحب الساعة قد اشتراها بمال حلال! لكنني رأيت أنه من غير المنطقي أن يستعرض تلك الحلية أمام الناس، فيما نحن نبحث عن كيفية تأمين المال اللازم لتشغيل مرافق الدولة وتحسين الطرقات وزيادة المعاشات وإعادة المهجرين وتغذية صندوق الجنوب... فثمن إحدى تلك الساعة كان ربما يغطي إصلاح جزء من طريق يسلكها آلاف الناس يومياً، تهلهلت سياراتهم من كثرة الحفر، أو إعادة تجهيز مدرسة عسى أن يتعلم بعض الأبناء ويحظون بفرصة نادرة للنبوغ وشراء ساعة فاخرة، أو تعويض أربع أو خمس عائلات من المهجرين ليعودوا إلى قراهم المنكوبة.

وأنا أقول هذا على أساس أنّ ما سبق وذكرته كإنجازات كان خالياً من دنس الفساد! أي أنّ الطريق أنجزت بالمعايير المطلوبة وبربح منطقي للملتزم، وأنّ المدرسة تم تجهيزها لطلاب حقيقيين، وأنّ من تلقوا التعويضات هم مهجرون بالفعل وقبضوا مرة واحدة عن عقارهم، وليس بشكل مكرر، كما كان يحصل للمحظيين الذين يحتاج الزعيم لأصواتهم أو تأييدهم أو هتافاتهم.

هذا لا يعني أنه على صاحب الساعة أن يتبرع بها أو بثمنها للصالح العام، وقد لا يخطر في بال أحد انتقاد نوع الساعات في يد المسؤول لو كنا نعيش في بلد غير متداع على كل المستويات. لكن كان بإمكان بعض الزملاء تجنب الشبهة أو حرج المقارنة بعدم استعراض ساعات أيديهم الفاخرة، حتى وإن كانت من مال حلال. لكنني لمت نفسي على ضيق عيني في تلك اللحظة، واستعذت من شر الحسد إن أصابني وكأنني أتخذ من مسألة الصالح العام ومبدأ العيب، غطاءً لكوني لا أحمل النوع ذاته من الساعات.

تذكرت كل تلك الأمور بعدما سمعت بثمن ساعة وزير الاقتصاد في بلد مفلس يبحث عن من يمد له العون بالصدقة من دولة شقيقة، ثم تذكرت حجم الثروات المتراكمة من مال الناس ومؤسساتهم لدى رؤساء ووزراء يطلبون من دول أخرى المساعدة، وكل واحد في يده ساعة لا أعرف ثمنها. وفهمت لماذا تلاشى تعاطف ومحبة وتضامن القاصي والداني مع بلدنا الشهيد، طالما أن أهل البيت من المسؤولين هم على شاكلة طالبي الصدقة، وبعضهم كانوا من المتسببين بإفلاس البلد وناسه، أكانوا يلبسون ساعة رولكس، أو ساعة يد والدهم القديمة. ملفات وأفعال جميعهم مفضوحة ومعروفة ولم يعد ينفع لا التمسكن ولا الفرعنة «بشحطة القلم»، فقد انكشفنا للجميع ولن يمد لنا أحد يد المساعدة إن لم نستح ونترك ساعات أيدينا في الأدراج، مع العلم أن المنطق يقول بواجب كل مسؤول أن يتبرع بها للصالح العام، بدل مد اليد للشحادة. قلت بعدها لنفسي إنه من حسن حظي كان خروجي من مغارة علي بابا، وأنا أحمل ساعة اليد ذاتها التي حملتها منذ عشرين سنة، وما زالت مثل كلامي أنا، لا تقدم ولا تؤخر.


MISS 3