ألين البستاني

بيلامي لـ "نداء الوطن": "حزب الله" العائق الأكبر أمام انتخاب الرّئيس وكيف يمكن التّحاور مع ميليشيا مسلّحة؟

مرّة جديدة حطّ النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي فرانسوا - كزافييه بيلامي، في لبنان، الذي يتابع عن كثب أزماته المتشابكة وملفاته الساخنة.


لا شيء تبدّل على الساحة اللبنانية منذ زيارته الأخيرة إلى بيروت.


فالشغور الرئاسي سيبلغ عامه الأوّل قريباً، الأزمات السياسية متراكمة، التحقيق في تفجير مرفأ بيروت لا يزال معلّقاً، والأزمات المالية والمعيشية تتفاقم.


عن كلّ هذه الملفات، تحدّث بيلامي لـ "نداء الوطن" التي التقته على هامش مشاركته في المؤتمر السنوي للمدارس الكاثوليكية بمدرسة سيدة اللويزة - زوق مصبح.



عن حضوره هذا المؤتمر تحديداً، تحدّث بيلامي فقال: "في خضمّ الأزمة التي تمرّ بها البلاد، من المؤكد أن الشيء البديهيّ هو أن نفعل ما في وسعنا كي تتمكّن مدارس لبنان من الصمود. الوضع صعب وحسّاس ودقيق، خصوصاً لأنّه بات صعباً أن نضمن حصول الأساتذة على راتب يسمح لهم بالعيش كما يجب، والمدارس ينقصها الكثير كي تواجه معركة صعبة من أجل ضمان استمرارية قطاع التعليم. كما أنّ مستقبل هذا البلد على المحكّ، والعلاقات مهمّة بين بلدينا بما أنّ لبنان بلد ناطق باللغة الفرنسية بفضل مدارسه، وهذا أحد اسباب وجودي هنا دعماً للمدارس".



بيلامي خلال مشاركته في مؤتمر المدارس الكاثوليكية في لبنان أمس



يعتبر بيلامي أنّ أخطر ما يعانيه لبنان، هو "انعدام المسؤولية السياسية، اضافة الى القضاء الفاشل، وذلك في ظلّ سياسة الإفلات من العقاب التي تدمّر البلاد". ويضيف: "مثلاً من المقزّز للغاية أنّه حتى الآن لا يزال التحقيق في تفجير مرفأ بيروت معلّقاً ومعرقلاً، لذا على المسؤولين عن ذلك أن يتحمّلوا نتيجة أفعالهم التي تضعف المؤسسات في لبنان".



"حزب الله العائق الأساسي"



عن الفراغ الرئاسي الذي لا يزال يراوح مكانه منذ أشهر عدّة، يقول بيلامي: "الكثير من العراقيل تحيط بالملف الرئاسي، وهي لا تزال تمنع حتى اليوم انتخاب رئيس جديد. طبعاً من الأفضل اعتماد الحوار من أجل التوصّل إلى توافق، ولكن كيف يمكن التّحاور مع حزب سياسي لبناني، هو لاعب أساسي، ولكنّه يُدار بتوجيهات من قوّة خارجية؟ وهذا الحزب أيضاً هو ميليشيا مسلّحة، ويوجّه تهديدات صريحة الى زملائنا النواب في لبنان. لذا أنا أعتقد أن حزب الله لا يزال العائق الرئيسي أمام انتخاب رئيس في لبنان".



يرفض بيلامي التعليق على الشأن الداخلي الفرنسي انطلاقاً من لبنان، ولكن عن المبادرة الفرنسية الأخيرة التي يقودها الموفد الخاص جان إيف لودريان، يكتفي بالقول: "أنا أعتقد أنّه لا يحق لفرنسا أن تتعامل مع حزب الله كشريك سياسي على غرار ما تفعل مع الأطراف الأخرى. عليها أن تعتمد على القوانين والقرارات الدولية التي أيّدتها بنفسها في مجلس الأمن الدولي، أي تلك التي تفرض نزع سلاح كلّ الميليشيات، بشكل يصبح فيه الجيش اللبناني القوّة الوحيدة المسلّحة في البلاد والطرف الوحيد المسؤول عن حماية سيادة لبنان وشعبه. فإرضاء حزب الله في الوقت الراهن، من أجل إنهاء حالة الجمود التي أصابت المؤسسات الدستورية، يساهم في تعميق الأزمة".



تابع: "أؤمن بأنّ حلّ الأزمة التي تعاني منها البلاد هو بأيدي اللبنانيين أنفسهم، ولا يمكن لأي دولة خارجية أن تعيد هيكلة الدولة اللبنانية، ولكن من الواضح أنّه لا يمكن لفرنسا أن تدعم الجهة التي تمنع إعادة الاستقرار إلى هذا البلد".



"لمحاسبة معرقلي تحقيق المرفأ"


وعن العقوبات التي دعا البرلمان الأوروبي إلى فرضها على بعض المسؤولين السياسيين، رأى بيلامي أنّ سبب عدم اللجوء الى هذا الخيار بعد، هو نقص الإرادة السياسية. وتابع: "نظام العقوبات موجود ويمكن تطبيقه فوراً. طبعاً الاجراءات لن تطال لبنان، لأنّ الأمر سيكون بمثابة كارثة، بما أنّ البلد يعاني أصلاً من أزمات عدة، ولكنّها ستستهدف الأفراد المسؤولين مباشرة عمّا وصلت إليه البلاد. فمثلاً، لا بدّ من محاسبة المتورّطين في عرقلة التحقيق في تفجير مرفأ بيروت، وهذا أيضاً يصبّ في مصلحة أوروبا التي خسرت ضحايا في هذه الكارثة. لذا من واجب الأوروبيين تأمين الوسائل اللازمة للمضيّ في التحقيق المحلّي، وأن يواكبه تحقيق دوليّ إذا لزم الأمر".





"النزوح يهدّد مستقبل لبنان"



يُعدّ بيلامي من أبرز المطالبين بإعادة النازحين السوريين الى بلادهم، وهو يعبّر عن خيبة أمله من القرار الأخير الذي تبناه البرلمان الأوروبي بشأن هذا الملف، فيقول: "الحزب الذي أمثّله (حزب الشعب الأوروبي)، وأنا شخصياً، لم ندعم هذا القرار، الذي بدا في أحد بنوده وكأنّه يفرض على لبنان إبقاء النازحين على أرضه إلى أجل غير مسمّى، وهذا الأمر لا يناسب اللبنانيين مطلقاً. وأنا أبلغت كلّ الدول الأوروبية، أنّ لبنان يستقبل العدد الأكبر من النازحين السوريين، مقارنةً مع عدد سكّانه، ولا يمكن لهذا الأمر أن يستمرّ، لأنّه يشلّ كل المؤسسات ويُضعف البنى التحتية، ويؤثّر على النظام الغذائي والمواد الأولية الاساسية بالنسبة للبنانيين. لذا لا يمكن الاستمرار بتوفير التمويل الدولي لهذه الأزمة التي تهدّد مستقبل لبنان وتوازنه الديمغرافي على المدى الطويل".



تابع: "هذا القرار كان محور معركة محتدمة داخل البرلمان الأوروبي. وأتأسف لأنّ بعض الزملاء من اليسار ومن تيار الرئيس إيمانويل ماكرون، أعطوا اللبنانيين دروساً في الاخلاق لجهة ضرورة استضافة هؤلاء النازحين. من ناحيتنا، نحن ندعم صيغة مختلفة جذرياً ولدينا وجهة نظر معاكسة تماماً، ولقد حاربنا بمفردنا في هذه المفاوضات في محاولة للتوصّل الى نصّ يناسب مصالح اللبنانيين، ولكن للأسف بما أنّنا لا نحظى بالغالبية في البرلمان الأوروبي، لم نتمكّن من منع تمرير هذا القرار".



"العقاب ضروري"


لا يفصل بيلامي ملف التحقيق مع حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة عن باقي الملفات العالقة في لبنان، وانطلاقاً من ذلك، هو يعتبر أنّ "أحد العناصر الأساسية المطلوبة لإعادة ازدهار لبنان، يكمن بمحاسبة المسؤولين عن إيصال اللبنانيين الى هذا الانهيار المالي الضخم، وعن سرقة ودائعهم التي راكموها من عملهم واستثماراتهم، لذا من المستحيل أن يبقى هؤلاء من دون عقاب"، على حد قوله.

اضاف: "اذا لم يتمكن القضاء اللبناني من القيام بواجبه، عندها على القضاء الفرنسي أن يتحرّك للمحاسبة. أوّلاً، لأنّ بعض مواطنينا تضرّروا من هذه الأفعال، وثانياً لأنّ هذه خدمة يجب أن نقدّمها الى الشعب اللبناني".



"لا تفقدوا الأمل"


بيلامي الذي لطالما حمل ملفّات لبنان وأزماته الى منبر البرلمان الأوروبي، وجّه رسالة الى الشعب اللبناني قائلاً: "في هذه المرحلة القاتمة والمؤلمة، أناشدهم ألا يفقدوا الأمل. أفهم حالة الإحباط التي يتخبّطون فيها. ولكن لبنان مرّ بكثير من الاختبارات عبر التاريخ، وتجاوزها. هناك سبب لوجود هذا البلد، يتخطّى حدوده، فهو رسالة بالنسبة لمختلف شعوب العالم ومن بينها الشعب الفرنسي. نحن نأمل أن نكون الى جانبهم لمساعدتهم على النهوض مجدّداً".


"الوقت ثمين"


والى السياسيين رسالة حازمة من بيلامي قال فيها: "الوقت ثمين. اللبنانيون يصارعون من أجل البقاء. لكن الوقت ليس في متناول أيديكم إلى ما لا نهاية. آن الأوان كي يحظى لبنان بالمسؤولين الذين يستحقّهم والقادرين على اتّخاذ القرارات المناسبة. كما أنّ البرلمان لا يقوم بعمله، ولا يلتئم منذ أشهر، ولا ينتخب رئيساً لفكّ الحصار عن المؤسسات. ويبدو أنّ بعض النوّاب لا يهتمون بإدارة شؤون مواطنيهم. لذلك أقول إنّ الوقت بات ثميناً الآن".