الراعي من استراليا: لن نسكت عن تغييب الرئيس المسيحي الوحيد

16 : 27

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الاحتفالي في مناسبة اليوبيل الذهبي للأبرشية المارونيّة في أستراليا في Ken Rosewall Arena ،Sydney Olympic Park –سيدني.


وسبق القداس وصول ذخائر القديسين مارون وشربل ونعمة الله ورفقا وماري ماكيلوب.


عاون البطريرك الراعي، راعي الابرشية المارونية المطران أنطوان شربل طربيه، رئيس الأساقفة السّفير البابوي تشارلز بالفو والمونسنيور مارسيللينو يوسف والمونسنيور شاره ماري، بمشاركة رئيس أساقفة سيدني المطران انطوني فيشر، مطارنة الانتشار ومجلس الكنائس الشرقية في استراليا والرؤساء العامون والرئيسات العامات وكهنة ورهبان وراهبات من مختلف الكنائس.

وحضر القداس عدد من الشخصيات السياسية والديبلوماسية والحزبية والاجتماعية ورجال الأعمال والإعلام وحشد من المؤمنين في سيدني قدر بنحو عشرة آلاف شخص بحسب المنظمين.


وخلال القداس، ألقى البطريرك الراعي عظة استهلها بالإنكليزيةـ هنّأ فيها الابرشية المارونية بقياده راعي الابرشية المطران طربيه باليوبيل الذهبي ورحب بالسفير البابوي ورئيس اساقفة سيدني والاساقفة والرؤساء العامين، معتبرا ان "وجودهم يؤكد على وحدتنا جميعا في المسيح".


وقال: "ويكرر بإنجيل الملكوت في المسكونة كلها" (متى ٢٤:١٤). لما تنبأ يسوع عن خراب الهيكل، فهم التلاميذ ان بخراب الهيكل تكون نهاية العالم، ويكون مجيء الرّب الثاني بالمجد، فهيكل اورشليم هو محط آمالهم. ومع خراب الهيكل كانت نهاية النبوءة والكهنوت والملوكية عند الشعب اليهودي. في الواقع، بدأ مع المسيح وبشخصه عهد جديد شمل هذه المكونات الثلاثة: فالمسيح اياه هو الكلمة والنبي، وهو قربان ذبيحة ذاته والكاهن، وهو الملك والملكوت اي الإتحاد بالله والوحدة بين جميع الناس. كانت علامة خراب الهيكل عندما انشق حجابه من فوق إلى أسفل، في اللحظة التي أسلم فيها يسوع روحه، كما نقرأ في إنجيل الآلام. وحدث خراب الهيكل سنة ٧٠ على يد الرومان، ولم بيق منه سوى الحائط الجنوبي المعروف "بحائط المبكى". ولم يستطع اليهود إعادة بنائه إلى اليوم. اما سبب خراب الهيكل خرابا نهائيا، فهو فقدانه مبرر وجوده بسبب قتل سيده يسوع المسيح".


أضاف: "نحن نعلم من تعليم القديس بولس ان كلّ مسيحي ومسيحية أصبحا بالمعمودية والميرون هيكل الله. فيجدر أن يسأل كلّ شخص نفسه: "هل أنا ما زلت هيكل الروح القدس؟"، بالطبع كلّا! فقد شوهت هيكل نفسي بخطاياي أكان بالفعل أو بالقول أو بالإهمال، فلنرمّم هذا الهيكل باللجوء إلى سر التوبة والغفران والمصالحة".


وتابع: "يسعدني واخواني السادة المطارنة الأجلاء الآتين من أبرشيات الإنتشار، وقدس الرؤساء العامين والرئيسات العامات الآتين من لبنان أن نحتفل مع راعي أبرشيتنا المارونية في استراليا الغيور، سيادة المطران أنطوان شربل طربيه، والكهنة والرهبان والراهبات وجميع المؤمنين والمؤمنات، باليوبيل الذّهبي لمرور خمسين سنة على تأسيس الأبرشية. وقد افتتحتُم سنة اليوبيل في عيد مار مارون 9 شباط 2023، وستختتموه في 8 كانون الأول المقبل بمناسبة عيد الحبل بلا دنس. فإننا إذ نُهنئكم بهذا اليوبيل الذهبي نقدم هذه الذبيحة الإلهية معكم لنشكر الله على ما أغدق عليكم وعلى الأبرشيّة العزيزة بكلّ أرجائها من خير ونعم. ونرفعها ذبيحة استشراف للمستقبل حسبما يخطط سيادة راعي الابرشية مع مجالسها من مسيرة مجددة، لا سيما وان الكنيسة جمعاء في حالة انعقاد لسينودس الاساقفة الروماني بقيادة قداسة البابا فرنسيس، وموضوعه: " من أجل كنيسة سينودوسية : شركة، ومشاركة، ورسالة". ويسعدنا ان نختتم بهذه الليتورجيا الإلهية المؤتمر السادس لمطارنة أبرشيات الانتشار والرؤساء العامين والرئيسات العامات باستضافة سيادة المطران انطوان شربل طربيه. وكان بعنوان: "مدعوّون من المسيح ومرسلون لنكرز بالإنجيل".


وقال: "فعدنا إلى مكونات حياتنا المسيحيّة الثلاثة: خدمة الكلمة بالكرازة والتعليم، وخدمة نعمة تقديس النفوس بالليتورجيا، وخدمة المحبة الاجتماعية بالدياكونية. كلنا بحكم المعمودية والميرون ملزمون بهذه الثلاثة وبعض بحكم الدرجة المقدسة: الشماسية والكهنوت والأسقفية.


وبعض بحكم النذور الرهبانية. نجد في تعليم الكنيسة الشرح الكافي والوافي لهذه الخدم واصحابها نجد في الدستور العقائدي: نور الأمم للمجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، وفي الإرشاد الرسولي للقديس البابا يوحنا بولس الثاني: " العلمانيون المؤمنون بالمسيح". هذه الثلاثة مترابطة ومتكاملة: فالكرازة بالإنجيل تولد الإيمان، الإيمان يمارس في الليتورجيا ويغتذي من كنز نعمها ويتقدس؛ الإنسان الذي تقدس بالنعمة ينفتح قلبه ويده على الإخوة والأخوات المعوزين بممارسة المحبة الاجتماعية. نشير إلى أن هذه الثلاثة: الكرازة (kerygma) والليتورجيا (liturghia) وخدمة المحبة (diakonia) هي من وصايا الكنيسة السبع".


أضاف: "أود الكلام عن خدمة المحبة الاجتماعية التي تعبر عنها وصية الكنيسة "بأوف البركة او العشر". نحن على علم بالمساعدات التي تقدمونها لأهلكم والمؤسسات في لبنان وتشمل: المال والدواء والإستشفاء والمواد الغذائية والمشاريع الإنمائية والعمرانية، وأقساط مدرسية وجامعية، فأنتم مشكورون عليها من صميم القلب. ونسأل الله أن يبادلكم بأضعافها. لكننا تدارسنا أثناء مؤتمرنا كيفية تنظيم خدمة المحبة الاجتماعية، لكي نواجه، بتوحيد القوى وتنسيقها، الأزمة المالية والإقتصادية والمعيشية والإستشفائية والتربوية التي تشتد أكثر فأكثر. وقد أنشأنا لجنة لهذه الغاية ترسم خطة العمل. ولا يسعنا في المناسبة إلا ان نوجه تحية شكر وتقدير للسلطات المدنية الأسترالية المتعاقبة التي فتحت أبوابها بوجهكم وبوجه جالياتنا، فتمكنتم من تحقيق ذواتكم وعيشكم الكريم. حمى الله استراليا وأفاض عليها وعلى شعبها ومسؤوليها الخير والبركات".


وتابع: "وأشعر معكم بألمكم عندما ترون وطنكم لبنان يتراجع مع كل المستويات عندما تقارنونه بأستراليا: أستراليا تحترم الدستور والقانون وهما فوق الجميع، أما في لبنان، الدستور والقانون مستباحان من النافذين، ومخالفات المحازبين محمية. استراليا تستوفي الضرائب والرسوم من الجميع، وتقدم بالمقابل الخدمات العامة، وتساعد بهبات مالية للإعمار والإنماء والتربية والإستشفاء والدواء، وتراقب بواسطة المدققين طريقة الصرف. أما لبنان فلا يستوفي الضرائب والرسوم من جميع المواطنين على السواء، بل من منطقة دون أخرى، اما عمداً وأما خوفاً من فائض القوة او اهمالا. وبالتالي لا يقدم إلا الضئيل من الخدمات العامة. ويبقى على المواطن ان يؤمنها، فيما الفساد مستثمر وسرقة المال العام محمي والبلد يفتقر. أستراليا تعتني بالفقر والعاطل عن العمل وتؤمن له معاشاً شهرياً، ريثما يجد مخرجاً لفقره، وعملاً يعيش منه. اما في لبنان، الفقير مهمل ويزداد فقراً، وعدد العاطلين عن العمل يتفاقم. أستراليا تحترم الإنسان وكرامته، أمّا في لبنان فانتهاك لقدسية الحياة البشرية وكرامة الإنسان".


وقال: "الكنيسة لن تتهاون بشأن كل هذه الأمور السلبية في لبنان. لن تسكت عنها ولن تمل عن الالتزام برسالتها بواسطة مؤسساتها. فالتزامها واجب عليها من المسيح فادي الانسان ومخلص العالم. ولن تدع لبنان وشعبه فريسة الظلم والاهمال والاستبداد والاستكبار ولن تصمت عن التنديد بعدم انتخاب رئيس للجمهورية، وبتعمّد تغييب رئيس البلاد المسيحي الوحيد في اسرة جامعة الدول العربية، ومعه تغييب الثقافة المسيحية التي كانت في اساس إنشاء الدولة اللبنانية الموصوفة بميزاتها. وأولاها الفصل بين الدين والدولة، والمشاركة المتساوية بين المسيحيين والمسلمين في الحكم والإدارة، التعددية الثقافية والدينية في الوحدة، وحياد لبنان الإيجابي لكي يواصل اداء رسالته الخاصة به في بيئته العربية. كلها أمور أساسية لن نسكت عن المطالبة بها".


وختم الراعي: "إني أجدد لكم، ايها اللبنانيون في أستراليا النداء لتوازنوا بين حبكم للبنان وتسجيل قيد نفوسكم لدى سفارتنا في أستراليا والقنصليات، بالتعاون مع المؤسّسة المارونية للانتشار. فتحتفظون هكذا بجنسيتكم اللبنانية وسائر حقوقكم الوطنية، وهذا واجب وطني عليكم جميعا. نسأل الله ان يبارككم، ويبارك استراليا بمسؤوليها وشعبها. ويبارك اوطاننا المشرقية ولبنان، بإسم الآب والإبن والروح القدس الآن وإلى الأبد".

MISS 3