شربل داغر

بين الفيلم والرواية

25 أيلول 2023

01 : 58

أعود مرة ثانية إلى فيلم «أوبنهايمر» للمخرج كريستوفر نولن، لإبداء الرأي في أمرَين:

الأول يتصل بقصة الفيلم، وهي مأخوذة عن كتاب تناول سيرة عالِم القنبلة النووية الأولى أوبنهايمر.

الفيلم محبوك بقوة، ويَجمع بين تفاصيل الحياة ومسراها العام، ما لا يتوفر بالضرورة إلا في أفلام استندت في القصة، في السيناريو، في الحوار، إلى مادة غنية مشبعة من السيرة الروائية التي أُُخذت عنها.

ما هو جدير بالانتباه في هذا النوع من السيَر الروائية، هو أن صحافيين باتوا أرباب كتابتها في الغالب، في بلد (الولايات المتحدة الأميركية)، عُرفت صحافته بتمكن صحافيين فيها من القيام بتحقيقات نافذة ولامعة. وهو ما تفتقده، سواء الصحافة العربية، أو السينما العربية: حتى اليوم، عرفنا، في مسلسل تلفزيوني، أن عبد الحليم تزوج من سعاد حسني، فيما لم يتزوجها في مسلسل تلفزيوني آخر.

ولن أزيد في استعراض كون الكتابة العربية تفتقد السير الروائية للمشاهير العرب، من جمال عبد الناصر إلى صباح، ومن ياسر عرفات إلى محمد صلاح...

أما الأمر الثاني، فهو أن الفيلم المعني ينبني في ثلاثة مسارات سردية، ما لا يُربك المُشاهد بالضرورة، بل يتوصل إلى متابعتها من دون لخبطة.

هذا لا يعود إلى مهارة كاتب السيناريو (وهو المخرج والمنتج في آن)، بل إلى قابليات السينما في حد ذاتها، إلى ما تتيحه الصورة، وإلى ما تتعثر فيه الكتابة السردية.

لا يتأخر المخرج عن استعمال الصورة بالأسود والأبيض في إظهار أحد المسارات الثلاثة، كما يتنقل، في المسارَين الآخرين، بين لحظات مختلفة في حياة اوبنهايمر بين ماضيها ولاحقها. هذا ما يمكن متابعته بيسر، بفضل الصورة التي تكثف وتستجمع، في لقطاتها، في تفاصيلها، ما لا يستطيع التناول السردي توفيره إلا بفائض من الكلمات والإشارات.

الكلمة بطيئة في تقدمها، بل ثقيلة في ما لها أن تَحمل في مسارها السردي، فيما الصورة أسرع وأرشق.

الصورة الثابتة، من الرسم إلى اللوحة، وخاصة الصورة المتحركة (مع التلفزيون والسينما)، تقدمت على الكلمة بجميع إنتاجاتها، وبات «الأدب»، على الرغم من قيمته العالية والجمالية، فقير الحال.

ومع ذلك يتم الحديث في هذه البلاد عن أنه «زمن الرواية»، فيما تبدو السينما في أرذل أحوالها كذلك.

فتفكرْ...


MISS 3